يمكن العثور على دليل يشير إلى الطبيعة المخادعة للجهود الناجحة التي يبذلها اللوبي العالمي المؤيد لإسرائيل والذي يسعى إلى الخلط بين أي انتقاد لسلوك الدولة ومعاداة السامية. ويوجد الدليل في بيان استثنائي صادر عن الرئيس التنفيذي لمنظمة تسمى “محامو المملكة المتحدة من أجل إسرائيل”.

 

وتأسست المنظمة (يو كي ال اف اي)  في عام 2011 من قبل مجموعة من المحامين البريطانيين “والذين كانوا متوجسين من الفشل في مكافحة استخدام  القانون وإساءة استخدام القانون من قبل أعداء إسرائيل”.

 

واستهدفت منظمة (يو كي ال اف اي) في الماضي، حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي سي) التي يقودها الفلسطينيون، والتي تهدف إلى “إنهاء الدعم الدولي لقمع إسرائيل للفلسطينيين والضغط على إسرائيل للامتثال للقانون الدولي”.

 

وتقول منظمة (يو كي ال اف اي) إن الحركة عازمة على “نزع الشرعية عن إسرائيل”، لكن في الواقع هو أن أهدافها تتماثل فقط مع أهداف حركة المقاطعة الدولية التي ساعدت في إنهاء الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

 

واتخذت منظمة (يو كي ال اف اي) هدفا أكثر ضعفا في الشهر الماضي، وكان الهدف مجموعة من تلاميذ المدارس الفلسطينيين الذين يذهبون إلى مدرستين تابعتين للأمم المتحدة في غزة.

 

وكجزء من مشروع فني بالتعاون مع المرضى الصغار في مستشفى تشيلسي ووستمنستر في لندن، تم عرض معرض للأطباق التي رسمها الأطفال عند مدخل قسم العيادات الخارجية للأطفال.

 

وبادرت منظمة (يو كي ال اف اي) بالعمل، حيث زعموا أن وجود معرض “عبور الحدود – مهرجان الأطباق” جعل المرضى اليهود الذين يزورون المستشفى يشعرون “بالاستضعاف والمضايقة وحتى الاحساس بشعور الضحية”.

 

وقال جوناثان تيرنر، الرئيس التنفيذي لمنظمة (يو كي ال اف اي)   إن اليهود “لا ينبغي أن يواجهوا جدارا من الدعاية المعادية لإسرائيل عندما يذهبون إلى المستشفى”.

 

لقد كان بيانا غريبا واماط اللثام عن الكثير.

 

فلماذا يجب أن يشعر المرضى اليهود في المملكة المتحدة بالإهانة أو الانزعاج من انتقاد إسرائيل، وقياسا على ذلك هل ،سينزعج المرضى المسيحيون من انتقاد المملكة المتحدة؟

 

وبغض النظر عن ذلك، فإن السرعة التي أزال بها المستشفى اللوحات المخالفة كانت دليلا على فعالية أجندة الخلط.

 

وبفضل مجموعات مثل منظمة (يو كي ال اف اي) ، والعديد من المنظمات المماثلة في جميع أنحاء العالم، أصبحت معاداة السامية وانتقاد سلوك الحكومة الإسرائيلية الآن مختلطة بشكل خاطئ ، مما أدى فعليا إلى إغلاق النقاش حول سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين.

 

وتنص الاشاعة التي صدقها و تبناها السياسيون ووسائل الإعلام الغربية عن طيب خاطر، على إن انتقاد إسرائيل هو انتقاد لليهود، وإن التعبير عن الدعم للفلسطينيين هو معاداة للسامية.

 

لسوء الحظ، لا يوجد شيء اسمه “معاداة الفلسطينيين”.

 

ولنأخذ على سبيل المثال قصة روجر ووترز، وهو الرائد السابق في بينك فلويد، ومدافع قوي عن الحقوق الفلسطينية وناقد صريح لما يسميه “دولة الفصل العنصري” في إسرائيل. ففي شهر فبراير وصفته محكمة في فرانكفورت بأنه أحد “أشهر معادين للسامية في العالم” حيث أمرت مسرح في المدينة بإلغاء إحدى حفلاته الموسيقية، وقامت مدن ألمانية أخرى بنفس الخطوة.

 

واتهم “ووترز” إسرائيل في الماضي  بـ “إساءة استخدام مصطلح معاداة السامية لتخويف الناس، مثله، لتكميم أفواههم”، وهي تهمة تتراكم عليها  الأدلة.

 

ويعرف الجميع، بما في ذلك الحكومة البريطانية، أن إسرائيل مخطئة بشأن الفلسطينيين، لكن وجهة نظر الحكومة البريطانية تجاه سلوك إسرائيل لا لبس فيها مثل ما كان ردها نفعيا بلا أي أثر.

 

وردا على عريضة على الإنترنت في عام 2021 والتي حثت على فرض عقوبات، اعترضت الحكومة عليها، بينما حثت إسرائيل في الوقت نفسه على “وقف سياساتها المتعلقة بالتوسع الاستيطاني على الفور، والعمل بدلا من ذلك على حل الدولتين”.

 

وتابع البيان أن المستوطنات “غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة أمام السلام”.

 

لكن وراء تلك الكلمات، يستمر التعاون كالمعتاد، حيث وقع وزيرا الخارجية البريطاني والإسرائيلي هذا الأسبوع اتفاقا يعزز العلاقات الاقتصادية والأمنية والتكنولوجية.

 

إن عواقب تشجيع إسرائيل المتعمد لمستوطنيها غير الشرعيين واضحة في الموجة الحالية من العنف المأساوي والقتل المتبادل، وهو نمط استمر إلى حد كبير منذ أن تراجع البريطانيون عن الوعود التي قطعوها لحلفائهم العرب في الحرب العالمية الأولى، معلنين بدلا من ذلك “التعاطف مع التطلعات اليهودية الصهيونية” ونظروا “بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”.

 

وتضمن وعد بلفور في عام  1917 شرطا واحدا تم نسيانه بسرعة، وهو الوعد الذي أصبح سياسة بريطانية بمجرد تسليم بريطانيا أراضي فلسطين لإدارتها كانتداب بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، وذلك الشرط هو: أنه في حالة إنشاء دولة يهودية، “لن يتم فعل أي شيء قد يمس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين”.

 

وتنتهك الحكومة الإسرائيلية اليوم، علنا تلك الحقوق من خلال تشجيع المستوطنين غير الشرعيين وتمويلهم وحتى تسليحهم.

 

والعلاقات بين إسرائيل والدول العربية آخذة في التحسن، وهو تطور لا يمكن إلا أن يكون موضع ترحيب، لقد أيقظت مبادرة “اتفاقيات إبراهيم” الآمال في مستقبل أكثر سلاما وفائدة للطرفين في المنطقة.

 

لكن لا يمكن تحقيق التقارب الكامل والمقبول على نطاق واسع بعد هذا التاريخ الطويل من المعاناة وانعدام الثقة المتبادل في فلسطين لا إلا من خلال مناقشة نزيهة.

 

وما دامت تلك المناقشة مغلقة بسبب جو الخوف الأخلاقي الذي يفرضه جيش إسرائيل العالمي من المناصرين، فإن الحكومة الإسرائيلية سوف تستمر في معاملة الفلسطينيين كمواطنين من الدرجة الثانية، وسيظل الانتقال إلى السلام والأمن في المنطقة الذي قد يجلبه القبول الكامل لدولة إسرائيل في العالم العربي بأسره بعيد المنال.

 

لا ينبغي منع حالة التباكي على هذه الحالة التعيسة لإسرائيل، بل ينبغي على الجميع تشجيعه، بمن فيهم العديد من اليهود في جميع أنحاء العالم وداخل إسرائيل نفسها الذين يمقتون ما يجري، والذي يفترض أنه يجرب باسمهم.

 

جوناثان غورنال صحفي بريطاني، عمل سابقا مع صحيفة التايمز، وعاش وعمل في الشرق الأوسط ويقيم الآن في المملكة المتحدة. تويتر: @JonathanGornall

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: