ما ان تم الإعلان عن مبعوث جديد للأمم المتحدة إلى سوريا حتى بدأ بالفعل وضع خطوط التفاوض. وما ان اتضح مع مستهل شهر نوفمبر ان غير بيدرسون، دبلوماسي نرويجي ذو خبره سابقه في سياسة الطائفية في لبنان والمفاوضات الحساسة حول إسرائيل وفلسطين-سوف يتولى منصب المبعوث الخاص بنهاية الشهر حتى شرع نظام الأسد في وضع شروطه للعمل معه. حيث صرح فيصل المقداد نائب وزير الخارجية ان ” سوريا سوف تتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون شريطة الا ينتهج ذات الأساليب التي انتهجها سابقه”.
ما هي تلك “الأساليب”؟ وفقا للمقداد، يجب عليه ان يتجنب الوقوف إلى جانب الإرهابيين ” كما فعل سابقه” والإعلان على الفور عن دعمه لوحدة الأراضي السورية. ففي قراءة موجزه يبدو هذان البعدان منطقيانومتمشيان مع ما يذهب اليه المجتمع الدولي على نطاق واسع.ولكن في قراءة متأنية، فان هذين البعدين يشكلان في حقيقتهما محاولة لدفع مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى التخلص من اثنين من أكبر أوراق المساومة في الأمم المتحدة. وبالرغم من ان بيدرسون لم يصبح بعد مبعوثا خاصا للأمم المتحدة الا ان النظام يسعى إلى تقويض دوره، كما فعل مع سلفه.
وفي محاولة أخيرة لإنقاذ قدر من الصلاحيات، فقد عملت الأمم المتحدة، طيلة هذا العام، على إنشاء لجنة دستوريةمن اجل صياغة دستور جديد يضع في الاعتبار وجهات نظر المعارضة والجماعات المتمردة، مما يمهد الطريق إلى اجراء انتخابات جديدة. وسوف تتكون اللجنة المؤلفة من 150 شخصًا من ثلث الأعضاء الذين يختارهم النظام، وثلث اخر من قبل جماعات المعارضة والثلث الأخير ترشحه الأمم المتحدة. ولكن مضت أشهر اسفرت عن رفض النظام أي من خيارات الأمم المتحدة ومع نهاية شهر أكتوبر، فقد طرح تساؤل عن ماهية دور الأمم المتحدة في القيام بأي دور في اختيار الأعضاء. فهي تعدمسألة تتعلق بالسيادة الوطنية وفقا لما صرح به وزير الخارجية السوري.
عندما يتحدث نائب وزير الخارجية عن “الإرهابيين”، فإنه يعني جميع الجماعات المتمردة او أي منها، كما يشير النظام باستمرار إلى هذه الجماعات منذ بداية الانتفاضة. فلو أن الأمم المتحدة تجنبت “انحيازها” لهم، فإنها ستجعل مهمة إنشاء أي لجنة دستورية مستحيلة. وبالفعل رفض نظام الأسد لقاء أي ممثلين ليسوا موالين للنظام. حيث انهم يريدون ان تضم اللجنة اولئك الذين يعتقدون أن مستقبل سوريا يجب أن يكون في أيدي عشيرة الأسد من اجل اعتبارات “الاستقرار” أو “الاستمرارية” -التي ستطرح بعد ذلك دستورًا جديدًا لا يمكن تمييزه عن الدستور الحالي
وبالمثل، فإن الإعلان عن دعم وحدة أراضي سوريا يعني وضع الثقل الدبلوماسي للأمم المتحدة ضد أي حل ممكن تقوم به تركيا في شمال سوريا وضد أي تسوية قد يرغب الأمريكيون في تحقيقها مع الأكراد في الشمال الشرقي. بعبارة أوضح فإن هذا لا يعني أن ما يخطط له الأمريكيون أو الأتراك أو الأكراد هو محصلة جيدة، ولكن كاستراتيجية تفاوضية، فإن التزام الأمم المتحدة بتحقيق هذه المحصلة من البداية هو ببساطة مضيعة للوقت
وتعد أفضل طريقة لبيدرسون للتفاوض مع النظام، هي استخدام أحد مطالبه كوسيلة ضغط لمساومته بشأن مسائل أخرى، ولنضع نصب اعيننا على سبيل المثال ما يحدث فيمحافظة إدلب وعلى طول الحدود السورية التركية حيث تسعى تركيا إلى احكام سيطرتها على أجزاء من الأراضي السورية من أجل ابعاد الجماعات الكردية عن حدودها، وكمكان لترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، حتى لا يكونوا عبئا على الدولة التركية وحيث سيكونون في مأمن من النظام.
بيد انه سيكون من الأفضل لبيدرسون أن يتوقف عن دعم مبدأ وحدة الأراضي السورية ومن ثم ترك الباب مفتوحا أمام اعتراف الأمم المتحدة بهذه الخطة التركية، حتى ولو بشكل مؤقت، ومن ثم دفع النظام إلى قبول بعض أعضائه المقترحين في اللجنة الدستورية. وتعد هذه واحدة من الطرق القليلة التي ما زالت مفتوحة أمام الأمم المتحدة لتضع لنفسها موطئ قدم.
وبعد كل هذا، فقد تحولت الحرب السورية الى مفاوضات بين الدول القومية. حيث تم تهميش الأمم المتحدة وعملية جنيف، وحتى عملية أستانا التي تقودها روسيا، وأصبحت المسالة عبارة عن مباحثات بين الدول. ومن الملاحظ أنه عندما تلتقي الدول القومية المعنية فقط، سواء كانت روسيا او تجمع تركيا وإيران في سوتشي، أو تجمع تركيا مع ألمانيا وفرنسا في أنقرة، فانه يتم اتخاذ قرارات. والجدير بالذكر أن الخطة الفعلية الوحيدة التي عملت على وقف القتال على الأرض، والمنطقة منزوعة السلاح وضعتها دولتان.
وبالطبع لن يغير تعيين مبعوث الأمم المتحدة الخاص الجديد تلك الديناميكيات. ولكن باستخدام خطوط التفاوض الخاصة بالنظام ضده، فقد يكون بيدرسون قادرا على استعادة بعض السلطة للمجتمع الدولي من حرب تسببت في تآكلها.
لقد اكتسب النظام بالقوة والتحالفات كل ما أراده من الحرب، باستثناء الاعتراف الدولي الذي لا يزال هبة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والذي يمثل فرصة لبيدرسون لمساومة النظام على الجلوس الى طاولة المفاوضات.وفي هذه الحالة وبعد سنوات عديدة من العثرات، لا يملك المجتمع الدولي سوى عدد قليل من أوراق اللعب، التي لا ينبغي على المبعوث الجديد ان يهملها قبل أن يشرع في مواجهة النظام.
AFP PHOTO/JOSEPH BARRAK