“أتمنى لك الموت”، “أنت شخص مثير للاشمئزاز”، “حثالة”، “أنت قبيح جدًا”، “الجحيم في انتظارك”، تلك هي بعض التعليقات المسيئة التي تعرّضت لها المدونة ومصممة الأزياء “دينا تركية” بعد أن أعلنت مؤخرًا عن نيتها عدم ارتداء الحجاب طوال الوقت، وخلال الشهر الماضي؛ قامت السيدة البريطانية المسلمة التي تبلُغ من العمر 29 عامًا بنشر 47 دقيقة تشمل سيلًا من الإساءات التي تلقتها من متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي أظهرت كم مفزع من الكراهية.

هذا الكم الهائل من كراهية النساء والحقد التي أبداها الجمهور السابق لمصممة الأزياء كشف عن انهيار لغة الحوار المتحضر على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أظهر خلالها الأشخاص ميولهم السيئة على حساب العلاقات الإنسانية الطبيعية، إن التكنولوجيا تعمل على تشكيل المجتمعات التي نعيش قيها، وذلك يتم بأساليب من الصعب استيعابها.

و”دينا تركية”، وهي أم لطفلين، لديها أكثر من مليون متابع على إنستجرام، وهؤلاء من المعجبين بنصائحها الخاصة بالأزياء المعتدلة وتصميمات الحجاب، لكنها أعلنت مؤخرًا عن قرارها بخلع الحجاب، والسبب حسب تعبيرها:”مجتمع الحجاب بدأ في التحول إلى بيئة مسمومة”، وإذا ما أراد هذا المجتمع أن يثبت خطأ “دينا تركية” فإن هذا السيل من الإهانات وحتى التهديدات بالقتل على وجه التحديد يأتي بنتائج عكسية.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية؛ فإن الهجوم والتعليقات المسمومة بشكل عام على وسائل النواصل الاجتماعي باتت شيئا جديدًا معتادًا في النقاشات العامة، وتلك التعليقات لا يمكن تنقيتها وكذا فهي خالية من الذوق، وهناك كم هائل من الأشخاص يشعرون أن أرائهم حول كل شيء وأي شيء يجب مشاركتها بشكل مطلق.

والواقع أن ارتداء الحجاب هو شأن خاص ب”دينا تركية”، كما أن من حقها اختيار الطريقة التي تعيش حياتها بها، لكن حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي والذي يجذب الكثير من المتابعين جعل لها درجة من الشهرة، وهذا انعكس بالإيجاب على عملها عبر الإنترنت، لكن الاهتمام بها على مواقع التواصل الاجتماعي هو سلاح ذو حدين.

ووسائل التواصل الاجتماعي الآن باتت مرتبطة بعدد من المشكلات الصحية، وتشمل كل شيء بدءًا من زيادة حدة الاكتئاب والقلق، إلى الشعور المفرط بالانطواء، لكن البلطجة الإلكترونية واصطياد الأشخاص ينتميان إلى فئة مختلفة من السلوك المرضي، وهناك العديد من الدراسات التي أثبتت أن هناك علاقة بين البلطجة الإلكترونية وحسابات الأشخاص المصابون بالسادية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهناك بحث آخر عمد إلى دراسة عناصر الاتصال عبر الإنترنت والتي تسهم في ظهور السلوكيات الفاضحة عبر الإنترنت، مثل فقدان السيطرة على النفس عبر الفضاء الإلكتروني والذي أدى إلى ظهور لغة عدوانية تتسم بالابتذال، وحتى الوصول إلى إرسال تهديدات عبر الإنترنت، ومن ضمن ثلاثة عناصر تؤدي إلى تلك النتيجة الأسماء المستعارة والإخفاء وافتقاد التواصل عبر العينين، وتلك الأخيرة باتت تسهم بشكل رئيسي في عملية فقدان السيطرة على النفس وما لها من آثار سلبية، وكما هو واضح فإن الأشخاص يبدون أكثر شرًا حينما يكونون غير مجبرين على النظر في وجه الأشخاص.

وعلى المستوى الإقليمي، هناك دراسة معنية بالتعليم العالي في المملكة العربية السعودية، فإن 27% من المبحوثين أشاروا إلى أنهم قاموا بارتكاب أعمال البلطجة الإلكترونية مرة واحدة على الأقل، بينما أشار 57% إلى أنهم شاهدوا عمليات بلطجة إلكترونية قام غيرهم بارتكابها، والجنس كان عاملًا هامًا أيضًا، حيث انخرط الطلاب من الذكور في أعمال البلطجة الإلكترونية أكثر من الإناث، والمثير للدهشة أن الطلاب الغير مرتبطين هم أكثر عرضة للبلطجة الإلكرونية التي يقوم بها أشخاص يعرفونهم، أما مسألة التحيز ضد الجنس فلم تكن هناك مفاجأة من انتشارها.

وبالرجوع خطوة إلى الوراء، فإن وسائل التواصل الاجتماعي عملت على منح سلطات لتلك الشخصيات، وجميعنا قابل شخص ما يتطفل على أعمال الجيران، ويعمد إلى النميمة مع أي شخص لديه الاستعداد للاستماع له، لكن بينما اعتدنا نجن على امتلاك خيار إغلاق الباب، فإن تلك النميمة المزعجة من الممكن لها أن تتسلل إلى غرف معيشتنا، وغالبًا ما يكون لها نتائج مؤذية.

وباختصار، فإن الإنترنت بات وسيطًا للغرائز الحقيرة التي تتملك البعض منا، وسمح للاشخاص بالهجوم على بعضهم البعض، وفي حالة “دينا تركية” يمكننا تصور هذا السلوك الذي يتسم بالعار، دون أدنى قدر من النظر إلى الذات إلى مراجعتها، وتلك العملية من فقدان السيطرة على الذات غالبًا ما يتم تدعيمها عبر الحسابات المجهولة أو الغير حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحمي من يقومون باصطياد الأشخاص ومن يقومون بالبلطجة الإلكترونية من عواقب التعليقات التي يقومون بكتابتها، وعلى أي حال، حينما يقوم شخص ما بكتابة تعليق:” أتمنى لكِ الموت” مهاجمًا امرأة بسبب ملابسها، لا جدال أن هؤلاء الأشخاص يُظهِرون الكثير عن أنفسهم أكثر من الأشخاص الذين يتعرضون لنقدهم اللاذع.

وهناك أيضًا عنصرًا واضحًا خاصًا بدراسة الاهتمامات عبر هذا السلوك الذي يتم من خلال الإنترنت، فالإهانة دائمًا ما تؤدي إلى رد فعل أسرع من النقاش المنطقي أو الانخراط في محادثة، بينما نوعية رد الفعل غالبًا ما تكشف عن السادية، وعملية التصيد والبلطجة غالبًا ما تكشف عن الرغبة في الاعتراف بالذات حتى ولو أتى ذلك عبر الازدراء والنفور.

والبحث عن هذا النوع من المتعة قصيرة الأجل يكشف عن الإصابة بالعزلة الشديدة، وهنا يتم استبدال التفاعلات الإنسانية الحقيقية بالجلوس أمام الشاشة والرسائل القصيرة، والحقيقة أن آثار مواقع التواصل الاجتماعي تتسرب إلى العلاقات التي نمُر بها في حياتنا الحقيقية، وهناك أبحاث رئيسية أشارت إلى وجود رغبات كبيرة في عدم الاختلاط بالمجتمع وكذا الاتصالات التي يشوبها خلل، حيث باتت تلك الاتصالات تعاني من حيث نوعيتها وعمقها، ونحن جميعًا نضحك حين نرى صورًا لأشخاص خلال لقاءاتهم الغرامية، أو مجموعة من الأصدقاء أو العائلات يجتمعون حول مائدة العشاء، وكل شخص من هؤلاء يقوم بتركيز عينيه في هاتفه.

وتلك الصور انتشرت بشدة على مواقع التواصل الاجتماعي تحديدًا لأنها تلمس وترًا لدى الكثيرين، والواقع أن عملية الاختراق التي قامت بها الهواتف الذكية في أغلب الدول باتت في صعود مدوي، حيث يقوم ذات الأشخاص بالنظر إلى هواتفهم كل 10 أو 12 دقيقة، وتلك الصورة الخاصو بمجموعة من الأصدقاء يجلسون سويًا وكل منهم ينظر إلى هاتفه هي صورة قهرية، لأننا نفعل المثل.

وهذا لا يعني أن جميع الأشخاص هم من المتصيدون الذين يتمنون الموت للناس، لكن ببعض الأساليب فإن وسائل التواصل الاجتماعي تدفعنا إلى الانعزال، ولا تدفعنا إلى الانخراط في المجتمع كما يقول مؤيدوها، لكن تلك الوسائل تعمل على استبدال التفاعلات التي نحتاج إليها من أجل حياة اجتماعية صحية، والآن ضع هاتفك جانبًا للحظة وقم بالتفكير في الأمر.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: