بدأت التكهنات في باكستان حول ما إذا كانت الطائرة بدون طيار التي قتلت زعيم القاعدة أيمن الظواهري قد أقلعت من قواعد على أراضيها أو مرت عبر مجالها الجوي، وذلك بعد انتشرت أخبار مقتله في كابول بغارة أمريكية من خلال طائرة بدون طيار.

وكان التعاون بين الولايات المتحدة وباكستان في مجال مكافحة الإرهاب مثيرًا للجدل منذ الأيام الأولى للحرب على الإرهاب، مما خلق رد فعل عنيف من جانب السياسيين الإسلاميين ورجال قبائل البشتون والمتشددين الجهاديين الموالين للدولة سابقًا، بل إن ذلك التعاون أثار معارضة عنيفة من داخل القوات المسلحة.

ولا تزال شعبية أمريكا منخفضة جدا في باكستان، كما لا يزال الشعور تجاه الولايات المتحدة بعيدًا جدًا عن تلك الأيام التي كان يُستقبل فيها الزوار الأمريكيين البارزين بحماس من قبل الحشود الباكستانية.

وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وباكستان قد أصبحت محدودا للغاية، بما في ذلك التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، إلا إن تلك العلاقات قد أصبحت متشابكة مع السياسة الداخلية الباكستانية بطرق مختلفة عن السابق، ومن المحتمل أن تصبح عاملاً انتخابيًا رئيسيًا في المراكز الحضرية الرئيسية في باكستان.

وعندما تمت الإطاحة برئيس الوزراء عمران خان من خلال تصويت بحجب الثقة في شهر أبريل، زعم خان أنه تم إسقاطه من خلال مؤامرة أمريكية لـ “تغيير النظام”، وادعى أن سبب تلك المؤامرة هو معارضته الحازمة للولايات المتحدة لتشغيل قواعد عسكرية في البلد.

ويرى الكثيرون من الباكستانيين في الأحداث الأخيرة دليلا على التواطؤ مع الولايات المتحدة للإطاحة بخان، بما في ذلك المكالمة غير العادية التي أجراها قائد الجيش مع دبلوماسي أمريكي كبير في الأسبوع الماضي، من أجل الحصول على موافقة أسرع لتسليم دفعة من قروض صندوق النقد الدولي، وكأن ذلك هو جزء من مقايضة، وحتى مضيف برنامج حواري مناهض لخان تكهن بأن باكستان سمحت بضربة “لمرة واحدة” مقابل المساعدة مع صندوق النقد الدولي.

ويحتاج الاقتصاد الباكستاني المتعثر إلى أي مساعدة يمكنه الظفر بها، وتقدر الأرقام الرسمية التضخم بنحو 25 بالمئة، وشهدت الروبية تراجعا حقيقيا، حيث فقدت حوالي 24 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ تولى رئيس الوزراء شهباز شريف السلطة في شهر أبريل الماضي. وانخفض صافي احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي الباكستاني إلى 8.39 مليار دولار، والذي يغطي أقل من شهرين من قيمة الواردات، وأدى تدهور الاقتصاد إلى ضعف كبير في الدعم الشعبي لحكومة شريف الائتلافية المهتزة.

وبالنسبة لأولئك الحريصين على ربط الاضطرابات الاقتصادية والسياسية في باكستان بالقوى الخارجية، فهناك الكثير من النقاط التي يجب ربطها، حيث تضاعفت تحديات خان السياسية في الأشهر الأولى من هذا العام، تمامًا كما اكتشفت الولايات المتحدة أن الظواهري موجود في أفغانستان، وعندما اتخذ صندوق النقد الدولي موقفاً متشدداً في المحادثات مع إسلام أباد في هذا الصيف، حددت الاستخبارات الأمريكية بشكل قاطع موقع الظواهري في كابول.

وما قد يكون عبارة عن صدفة هو دليل على قيام الولايات المتحدة بتنسيق تنحي خان عن السلطة واستخدام مختلف وسائل النفوذ للتأكد من أن لديها القدرة لضرب أهداف كبيرة في أفغانستان، التي لا تملك حدود بحرية، باستخدام المجال الجوي الباكستاني. والاعتقاد السائد بأن خان كان ضحية مؤامرة أمريكية قد يدعم قاعدته الشعبية، ويزيد من احتمال عودته إلى السلطة، ويعقد استراتيجية مكافحة الإرهاب الأمريكية في المنطقة.

ومن المحتمل جدًا أن تكون الضربة التي أطاحت بالظواهري، وعمليات الرصد والمراقبة قبل الهجوم وبعده، قد استخدمت المجال الجوي الباكستاني. حيث قال عضو في الكونجرس الأمريكي إن باكستان أعطت “موافقة ضمنية” لحقوق التحليق الجوي.

وإذا كانت الطائرات الأمريكية بدون طيار قد سافرت بالفعل عبر باكستان، وربما من قاعدة في إحدى الدول الخليجية، وليس من إحدى دول آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان، فإن مقتل الظواهري لا يثبت فقط فعالية استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب “عبر الأفق” بل أيضًا اعتماد أمريكا على المجال الجوي الباكستاني.

إذا كانت الولايات المتحدة تعتمد بالفعل على باكستان في مراقبة وضرب أهداف في أفغانستان، فمن المحتمل أن تتعرض استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في أفغانستان للخطر بسبب عودة خان إلى السلطة من خلال الانتخابات في العام المقبل، ومن الضروري أن تقوم الولايات المتحدة وباكستان بتطوير إطار تعاون لمكافحة الإرهاب يمكنه تحمل الضغوط السياسية في باكستان على المدى القصير.

ولتحقيق ذلك الهدف، على الولايات المتحدة الحفاظ على استراتيجية منضبطة ومركزة لمكافحة الإرهاب، وإقامة شراكة غير معلنة مع باكستان دون أن يكون لها قواعد في البلاد (إذا لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل). ويجب أن تكون ضربات الطائرات بدون طيار “آمنة وقانونية ونادرة” كما اعتاد الرئيس بيل كلينتون وصف عملية الإجهاض، كما يجب على البلدين أيضًا تكثيف تبادل المعلومات الاستخباراتية حول التهديدات المشتركة، بما في ذلك تنظيم القاعدة والفرع المحلي لداعش.

لكن يجب على واشنطن أيضًا الاستعداد للعودة المحتملة لخان لكرسي السلطة، ويجب أن تقاوم الرغبة في إضفاء الصبغة الشيطانية عليه وكأنه رجل صاحب شعبية كبيرة و قوي ومنبوذ مثل “هوجو شافيز”، ويجب على الولايات المتحدة تجنب دعم الحركات المناهضة للديمقراطية لإبقاء خان بعيد عن كرسي الحكم سواء علمت ذلك بقصد أو بغير قصد، إن القيام بتلك الاعمال من شأنه وضع أمريكا في صراع مع الشارع الباكستاني.

قد تكون باكستان بلد فقير وذات اقتصاد مترنح، لكنها ليست دولة صغيرة، ولا يمكن للولايات المتحدة خوض معركة مع زعيم يتمتع بشعبية كبيرة في خامس دولة في العالم من حيث عدد السكان.

يجب على كلا الجانبين السعي إلى حل حقيقي إذا عاد خان إلى السلطة، لكن في النهاية، قد لا يسمح خان حتى بحقوق محدودة للغاية فيما يخص تحليق الطائرات بدون طيار الأمريكية، وتلك حقيقة يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لقبولها، حيث سيكون ذلك من ضمن حقوق خان كزعيم لدولة ذات سيادة.

 

عارف رفيق هو رئيس شركة فيزر للاستشارات المحدودة، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية تركز على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط. @arifcrafiq

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: