تتضمن قائمة مهرجان كان السينمائي لهذا العام أكبر عدد من الأفلام العربية والأفريقية والآسيوية في تاريخ المهرجان، وليس ذلك فقط في صورة رمزية فقط: بل أن المدير الفني للمهرجان تييري فريمو وزملاؤه المبرمجون قد وجهوا أنظارهم بوضوح إلى مناطق جديدة وهم يحاربون فكرة أن السينما تواجه أزمة.
وفي المؤتمر الصحفي للإعلان عن الاختيار الرسمي للأفلام، قال فريمو للجمهور: “السينما العالمية تعيد اكتشاف نفسها … هناك العديد من الأفلام من البلدان التي لم تعتاد على المشاركة في مهرجان كان السينمائي، مثل منغوليا، وهناك حضور قوي من أفريقيا وشمال أفريقيا وشرق وغرب أفريقيا، والعديد من صانعي الأفلام الشباب هم من النساء”.
ولإثبات كلامه، فإن المخرجين الوحيدين اللذين ظهروا في تشكيلة المسابقة لأول مرة هما امرأتان من القارة الأفريقية، ويبدو الأمر وكأنه لحظة مؤثرة في عالم السينما الدولية.
والمخرجة التونسية كوثر بن هنية هي المخرجة التونسية الأكثر شهرة بين السينمائيتين، حيث عرضت مسرحيتها المثيرة “الجميلة والكلاب” في مهرجان كان في عام 2017، وآخر أعمالها، فيلم الإثارة الفني “الرجل الذي باع جلده”، والذي تم عرضه في المنافسة في مهرجان البندقية السينمائي في عام 2020.
وسيكون فيلمها الجديد “أربع بنات” الفيلم العربي الوحيد في المنافسة، والذي يوثق قصة الحياة الواقعية لألفة، وهي أم تتعامل مع حادث اختفاء ابنتيها الكبيرتين، وفي غيابهم، تمزج المخرجة بين الأفلام الوثائقية والروائية لخلق تجربة سينمائية فريدة من نوعها لسرد قصة هؤلاء النساء، وتم اختيار الأسطورة المصرية التونسية هند صبري للعب الدور الرئيسي.
وكان الإعلان المفاجئ الكبير هو إدراج المخرجة السنغالية راماتا تولاي سي في المسابقة، وكان فلمها “بانل و ادما” هو الفلم الأول و الوحيد الذي تم عرضه في المسابقة، ويروي قصة من نوع روميو وجولييت ولكن لديه اختلاف في أن أداما رفضت قبول معايير المجتمع الأبوي، مما أثر بعمق في المجتمع عندما تقلد انيل منصب زعيم القرية.
لكن لم يعكس هذان الفلمان التحول البطيء والثابت نحو الشرق في السينما فقط، حيث عاد إلى المنافسة فائزان سابقان بالسعفة الذهبية، وهما الفلم التركي (نوري بيلج سيلان) والفلم الياباني (هيروكازو كوري-إيدا).
أضف إلى تلك التشكيلة المخرج الصيني وانغ بينغ وفيلمه الوثائقي الجديد “جنس” (وهو أحد فيلمين عرضهما في المهرجان)، والمخرج الفيتنامي الفرنسي تران آنه هونغ، والذي كان أحدث أفلامه اقتباس من رواية تاريخية فرنسية ؛ وفيلم “فير براند” للمخرجة البرازيلية الجزائرية كارين عينوز من بطولة جود لو وأليسيا فيكاندر، فمن الواضح أن هذا أكثر من مجرد جهد رمزي لتمثيل أنواع أخرى من السينما العالمية.
وربما لا ينبغي أن يثير ذلك أي نوع من الاستغراب، حيث برزت للسطح الأفلام من آسيا والعالم العربي في العقد الماضي وبقوة، وكانت ذروة ذلك البروز هو فيلم “الطفيلي” لبونغ جون هو، والذي لم يفز فقط بالسعفة الذهبية في عام 2020، بل فاز بعد ذلك بجائزة الأوسكار، وهو أول فيلم بلغة أجنبية يحصد ذلك الانجاز، وكان الفوز بجائزة الأوسكار عن فيلم “الطفيلي” فضلا عن فوزه في مهرجان كان مهما جدا، حيث مثل مؤشر على أن الأفلام لم تعد بحاجة إلى أن تكون باللغة الإنجليزية لتكون ذات أهمية ثقافية في المجتمعات الناطقة باللغة الانجليزية.
ومن المفارقات أن الفضل في ذلك النجاح الخاص بالعالم السينمائي يعود إلى عدوه الواضح، وهي خدمات البث، حيث غيرت نتفلكس و أمزون وآخرون اللعبة من خلال توفيرها المزيج من البرامج العالمية والمحلية، حيث أدركوا أنه لجذب السكان الأثرياء في الشرق الأوسط وآسيا إلى منصتهم، فمن المفيد بث المحتوى ذي الصلة بتك المجتمعات. ومع الوصول إلى تلك المنتجات، أظهر الجمهور العالمي استعداده للمجازفة بأفلام مثل ملحمة “أر أر أر ” الناطقة باللغة التيلجو، مما أوصلها إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار، وهذا أمر مهم حقا لمرجان كان، التي كانت يتطلع شرقا للحصول على صفقات رعاية مع شركات مثل ” تيك توك” في السنوات الأخيرة، وقد انتبه المبرمجون لذلك.
وهناك أيضا مسألة الجودة، حيث يحتاج المرء فقط إلى النظر إلى الأقسام التي لا تعد ولا تحصى من مهرجان كان ليرى أن السينما العربية لم تكن أبدا في وضع أفضل مما هي عليه الآن. ففي قسم “أم سرتن ريقار” ، “وداعا جوليا” وهو أول فيلم سوداني يتم اختياره في مهرجان كان، كما يضم ذلك القسم فيلمين مغربيين، هما الفيلم الوثائقي “أم الأكاذيب” للمخرج أسماء المدير، وفيلم “الصيد” للمخرج كمال الأزرق.
كما يشارك المغرب في فئة ا المخرجين من خلال فيلم “صحاري” لفوزي بن سعيدي، والفيلم الأردني “إن شاء الله ولد” لأمجد الرشيد.
ولم تعد الأفلام الآسيوية قاصرة على الأفلام اليابانية والهندية والصينية والكورية، على الرغم من أن هناك الكثير منها، لكن أحد أكثر الأفلام المنتظرة في مهرجان كان هو فلم حول موضوع بلوغ سن الرشد تحت عنوان “لو كان بإمكاني ممارسة السبات الشتوي”، وهو أول فيلم من منغوليا يتم عرضه في المهرجان.
ومع ذلك، فإن ذلك التحول هو أكثر من مجرد السعي وراء الرعاية والمال، بل هو مؤشر على تغيير ثقافي هائل حدث في أوروبا وأمريكا الشمالية أثناء الوباء بفضل حركات مثل ” حياة السود مهمة” “وأنا أيضا هاتش تاق” ففي حين أنه سيكون من المبالغة القول إن أيا من هاتين الحركتين قد فعلتا أي شيء أكثر من زيادة تمثيل النساء وأصحاب البشرة السوداء في عالم السينما، إلا أن النقاش حولهما ساهم في خلق حوار أكثر شمولا حول من يمكنه سرد القصص.
من الأهمية بمكان أن يكون لدى من يريد رواية القصص صوت فعلي وألا يروي القصص الأوروبية أو الأمريكية بالوكالة، وكما تظهر خدمات البث، سيبحث الجمهور عن الأفلام التي تتحدث إليهم مباشرة، بصوت يمكن التعرف عليه. وقد تعلم “مرجان كان” الدرس، فلكي تكون ذات صلة اليوم في سوق الترفيه العالمي، يجب البحث عن الأفلام من خارج الحدود التقليدية وتبنيها، وعليه استفادت أفريقيا وآسيا والعالم العربي من ذلك التحول.
كليم أفتاب: ناقد سينمائي ومؤلف السيرة الذاتية “سبايك لي: هذه قصتي وأنا متمسك بها” ومدير البرمجة الدولية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي.