في السادس من أبريل/نيسان، ستجتمع أطراف الاتفاق النووي الإيراني في “فيينا” لتحديد “الإجراءات المطلوبة”، ومنها رفع العقوبات عن إيران ووسائل تنفيذ ذلك حتى يستأنف جميع الأطراف ذلك الاتفاق النووي. وينعقد الاجتماع بعد أقل من أسبوعين من توقيع الصين وإيران على “اتفاقية تعاون استراتيجي” مدتها “25” عامًا. وبما أن محادثات فيينا – والتي تضم الصين – في مراحلها الأولى، فمن غير المرجح أن يكون لها تأثير على الاتفاق بين بكين وطهران والذي يكثر حوله التكهنات. ويجب الاهتمام أكثر بهذه الاتفاقية. فهل تُنبأ هذه الاتفاقية، جدلاً، بتحالف رسمي بين الصين وإيران؟. وهل هي مثال على استعراض الصين لقوتها المتنامية في الشرق الأوسط؟. الإجابة باختصار، هي أن هذه الاتفاقية مثال على الصراع الاستراتيجي المستمر بين الصين والولايات المتحدة، وأنه من قبيل الصدفة المحضة أن يكون هذا الصراع في الشرق الأوسط. (رغم أن الصينيين لا يخجلون من محاولة تعزيز مصالحهم إذا سنحت لهم الفرصة).

في البداية، وخلافاً لما يُقال بأن اتفاق بكين – طهران لم يحدث سوى العام الماضي فقط، فقد مر أكثر من خمس سنوات على هذا الاتفاق. وصدر بيان مشترك لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2016، عندما زار الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إيران. وألزم البيان البلدين بالعمل نحو إقامة “اتفاقية تعاون شامل” مدتها 25 عامًا في ضوء رغبة البلدين المشتركة في تعزيز العلاقات الثنائية، وتكامل اقتصاداتهما، وتعاونهما في مجالات الطاقة والبنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا”.

وما يثير الدهشة ليس الاتفاقية نفسها، ولكن توقيتها؟

وزار “شي” طهران قبل خمس سنوات، وتحديدًا بعد أسبوع من دخول الاتفاق النووي الإيراني – والمعروف رسمياً بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” – حيز التنفيذ ورفع العقوبات المفروضة على طهران، وهو ما جعل طهران اكثر جاهزيةلجذب الاستثمارات الأجنبية. ولكن الصين كانت الدولة الوحيدة، من بين العديد من الدول، التي تبحث عن فرص للاستثمار. في ذلك العام، أبرمت إيران اتفاقيات، مع فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ودول أخرى، في مجال التجارة والطاقة والبنية التحتية. وفي ظل رغبة العديد من الشركات متعددة الجنسيات إقامة أنشطة تجارية، رأت إيران أن العرض الصيني هو الأقل نفعًا.

وعندما انسحبت إدارة ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” فيما بعد في عام 2018، تردد الصينيون في التعاون مع إيران بسبب تخوفهم من العواقب المحتملة للعقوبات. ومرت ثلاث سنوات، وهي فترة طويلة، وشهدت العلاقات الصينية الأمريكية تغيرًا ملحوظًا – بل أنها مستمرة حتى في عهد “جو بايدن”.

وأشار العديد من المراقبين الصينيين أن اتفاقية بكين – طهران ثمارها لن تُؤتي أُكلها إلا بإقامة مشاريع حقيقية، وهم على صواب في الحد من مشاعر الحماسة تجاه هذه الاتفاقية، والحذر منها في الوقت نفسه. وبعد كل شيء، وبالنظر إلى العديد من جولات المفاوضات، يعي الصينيون جيدًا تقلب الموقف الإيراني، ونهج “خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء” الذي تتبعه طهران تجاه التعاون الثنائي. وبلا شك يمكن القول بأن الشركات الصينية غير متفائلة كما كانت في عام 2016.

وهناك عامل آخر هو مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة – ولكنه ليس عاملاً مباشرًا كما قد يتصور المرء. ففي البداية، كانت الصين هي من أقنعت إدارة “بايدن” على إعادة الالتزام بالاتفاق النووي بحجة أن الاتفاق سيجلب الاستقرار إلى المنطقة، ويخفف من عزلة إيران – وهو الأمر الذي سيمنح الصين بالطبع مزيدًا من الحرية للتعامل مع طهران.

ولكن حتى إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كامل، تعتقد بكين أن بإمكانها استغلال اتفاقها الجديد مع طهران. وفي هذا الاتفاق ميزة للصين وهي إرسال رسائلها إلى واشنطن بشكل معلن. وباتت بكين اليوم مستعدة لتجاهل أي تهديد بفرض عقوبات أمريكية. وبعد الصمود لأربع سنوات في وجه سياسة ترامب المتشددة، قررت بكين أنها تستطيع مقاومة أي هجوم آخر من واشنطن في ظل عهد “بايدن”.

وبعد كل هذا، هل سيبقى الاتفاق بين بكين وطهران قائمًا في ظل السياسة الإيرانية؟. ولا يحظى الاتفاق بشعبية لدى الإيرانيين، الذين يعتقدون أن الصين تستغل افتقار إيران إلى الخيارات. وشهدت إيران احتجاجًا شعبيًا بعد تسريب مسودة الاتفاقية الصيف الماضي. ومن الجدير بالذكر أنه لم يعد مطلوبًا من بكين وطهران الكشف رسميًا عن تفاصيل هذا الاتفاق. وتستطيع المعارضة الشعبية التأثير بشكل ملحوظ على طريقة تنفيذ الاتفاقية، وخاصة بعد الانتخابات في يونيو/حزيران. ولكن الواقع يقول أن “بكين” على الأرجح غير قلقة من هذا الأمر.

وبشكل عام، قد لا تكون بكين بالضرورة شديدة الارتباط بهذه الاتفاقية في حد ذاتها، رغم أنها تخدم مصالحها.

وتريد بكين من هذه الاتفاقية أن يقع صداها في ساحة التنافس على الزعامة بين الصين وأمريكا. وعندما تبرز الدول علاقتها مع الدول الأخرى وتتباهي بهذا فإنه يكون قرارًا مدروسًا ومحسوبًا. وبالتالي، فليس مصادفة أن يكون توقيع الاتفاقية في طهران بواسطة وزير الخارجية الصيني “وانغ يي”، وزيارة وزير الخارجية الروسي إلى الصين، وتبادل الرئيس شي للرسائل، والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، بعد أسبوع فقط من فشل للمحادثات بين الولايات المتحدة والصين في ألاسكا – وهو الاجتماع الأول وجهاً لوجه بين وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ووزير الخارجية الصيني “وانغ يي”.

ومن خلال صياغة الاتفاقية مع إيران، تتحدى بكين الضغط الأمريكي، وتقوض السياسة الأمريكية، وتعزز مصداقية الصين كقائدة للكتلة غير الغربية. والهدف الأدنى من هذه الاتفاقية هو تحييد السياسة الأمريكية تجاه الصين.

وفي غضون ذلك، لا يمكن لواشنطن أن تتجاهل حقيقة أن النفوذ الصيني يتمدد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بدءًا من الاقتصاد والسياسة وصولاً إلى القضايا الاجتماعية. وفي الواقع، ربما تكون الصين القوة العظمى الوحيدة التي لديها إستراتيجية واضحة لتنفيذ هذا التوسع، وأظهرت الإصرار والتمسك بهذا الغرض حسبما اتضح من نجاح “دبلوماسية اللقاح” خلال جائحة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. وعلى النقيض من ذلك، تنتهج الولايات المتحدة سياسة متخبطة في الشرق الأوسط وغير متسقة ويعيبها التناقض. فبعد أن “صبت اهتمامها” بالشرق لدرء الصين، ظهرت المفارقة وهي أنها غير قادرة على مواجهة الصين في غرب آسيا.

وحتى وقت قريب، كانت مصالح الصين في الشرق الأوسط مركزة بشكل كبير على أمن الطاقة. ولأنها آخر الوافدين إلى المنطقة، لم تكن بكين راضية عن المكاسب التي تحققها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب وجودها الأمني في الخليج. وإلى هذا الحد، لا تنوي الصين انتزاع الدور التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن الصين في الوقت الراهن تستغل منطقة الشرق الأوسط لإبلاغ واشنطن بعدم التعرض لمصالحها في جميع أنحاء العالم.

يونا صن، هي مدير برنامج الصين، والمدير المشارك لبرنامج شرق آسيا في مركز “ستيمسون” بواشنطن العاصمة.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: