لم تنتهج نيودلهي سياسة صحيحة تجاه الشرق الأوسط أكثر مما تفعل اليوم. حيث تلعب علاقاتها الوثيقة بالقوة الكبرى في الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل وإيران وممالك الخليجدورا كبيرا في حماية مصالحها من التقلبات الجيوسياسية في المنطقة بيد ان الاستقطاب المتزايد في المنطقة، والذي يشكل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسطمظهرا من مظاهره، يشكل تحدياً كبيراً لنيودلهي.
وتتجلى علامات هذه السياسة في زيارة مستشار الامن الوطني الإسرائيلي مائير بن شابات للعاصمة الهندية بعد أسبوع من زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد نجاد ظريف، والتي كانت بتاريخ 9 يناير، وكان السبب من وراء هذه الزيارة هو الضغط على رئيس الوزراء نارندرا مودي للتأثير على التهديد الإيراني المتزايد في سوريا. وبينما تتجه المنطقة إلى مزيد من الصراع، فمن المرجح أن تواجه الهند ضغوطاً أكبر من جانب شركائها لتحديد موقفها.
ومنذ أوائل التسعينيات، تبنت الهند استراتيجية لبناء علاقات متنوعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط فبعد ان منيت الهند بخسائر اقتصادية فادحة واحراج دبلوماسي في اعقاب الغزو العراقي للكويت1990-1991 وما تلاها من حرب الخليج الثانية قررت الهند أن تقلل من اعتمادها على العراق وان تسعى للحصول على مجموعة أوسع من الشراكات في المنطقة. ومن ثم قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 1991 وبنت علاقات وثيقة مع ايران ابان ولاية اكبر هاشمي رافسانجاني ومحمد خاتمي في التسعينيات واوائل الالفينات ووطدت علاقاتها بممالك الخليج العربي في اعقاب حرب العراق 2003.
وخدم تنوع علاقات الهند مصالحها. ووقفت الهند على الحياد تجاه النزاع بين دول الخليج وقطر حيث حصلت على تطمينات من كافة الأطراف بشأن سلامة مواطنيها ومن ثم كان لتلك الازمة تأثير ضئيل على الشتات الهندي في الخليج. وبخلاف الاخرين، جنب هذا الحياد الهند من الانجرار الى النزاع.
وكمثال اخر للحياد الهندي تجاه النزاع السوري الذي وضع نيودلهي في موقع فريد كوسيط محتمل. بالمناسبة، كان من المقرر أن تستضيف الهند الحوار الهندى العربى الثانى فى أوائل فبراير ، حيث كان من المتوقع أن يتم إحراز تقدم بشأن التفاوض بشأن إعادة دمج سوريا فى الجامعة العربية (على الرغم من تأجيل المؤتمر الآن بسبب وجود جدول زمني واضح للصراع مع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في بروكسل في 4 فبراير)) وتأملممالك الخليج من خلال منح سوريا طريقا للعودة الى الحظيرة العربية أن يخفف هذا من قبضة إيران على دمشق مع ضعف هذا الاحتمال. لقد قادت البحرين والإمارات العربية المتحدة الطريق من خلال إعادة البعثات الدبلوماسية إلى دمشق.
وأخيرا وبالرغم من العلاقات الوطيدة مع إسرائيل وممالك الخليج العربي احتفظت الهند بموطئ قدم بميناء تشابهار الإيراني. ففي 7 يناير أعلنت الحكومة الهندية حصول مشغل المنافذ التي تديرها الدولة،موانئ الهند العالمية، على عمليات بالميناء. وتتطلع الهند الى استخدام الميناء الذي يطل على خليج عمان لتجاوز باكستان في تجارتها مع أفغانستان وربط اقتصادها بآسيا الوسطى.
ومع ذلك، يبدو أن الاستقطاب المتزايد في المنطقة يضع قدرة الهند على التوفيق بين علاقاتها المختلفة في الشرق الأوسط على المحك. وتأمل إدارة ترامبان يجمع التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط بين ممالك الخليج والأردن ومصر وبشكل غير رسمي إسرائيل في تحالف ضد إيران. وفي كلمته التي القاها بجامعة القاهرة في 10 يناير صرح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ان الهدف من التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط “مواجهة الخطر الأعظم بالمنطقة” في إشارة ضمنية لإيران كما وجه بومبيو عدة إشارات الى التقارب بين ممالك الخليج وإسرائيل حيث ترى ممالك الخليج اسرائيل كحليف قوى ضد التوسعات الإيرانية.
علاوة على ذلك، أدى نشر الولايات المتحدة لمجموعة حاملة الطائرات، جون سي ستينيس، في الخليج منذ ديسمبر، إلى غليان الموقف في الخليج وهو التحرك الذي يعكس احكام قبضة أمريكا ضد إيران وبرنامج صواريخها الباليستية. اما فيما يتعلق بالهند، يفاقم هذا التحرك من التوتر في المنطقة المتاخمة لميناء تشاببهار مما يمثل تهديدا لسعيها لاتصال أفضل مع أفغانستان واسيا الوسطى من خلال إيران.
اما من جهة الغرب فقد اتخذت المواجهات الإسرائيلية مع إيران منحى اخر في سوريا ابان الشهور المنقضية ففي 21 يناير، حيث شنت إسرائيل عدة ضربات جوية ضد اهداف إيرانية وسورية حول دمشق في رد فعل تجاه ما أسمته إطلاق إيران لصاروخ على مرتفعات الجولان، وكانت إسرائيل قد شنت عدة هجمات جوية ضد القوات الإيرانية في مايو من العام الماضي ثارا لهجمات صاروخية شنت من الأراضي السورية. عندما يقترن تحالف استراتيجي مثل التحالف الاستراتيجي للشرق الاوسط، فإن التقلبات في سوريا وربما لبنان يعني أنه من المرجح أن تتصاعد مواجهة عسكرية محدودة إلى صراع إقليمي.
وقد تنتهي سياسة الهند التي انتهجتها منذ ثلاثة عقود، مالم تشهد المنطقة انعكاسًا دراماتيكيًا في التوجهات. وستصمد الهند في وجه موجة التغير الا ان سياسة امساك العصا من المنتصف ربما لن تستمر.
AFP PHOTO/SAUDI ROYAL PALACE/BANDAR AL-JALOUD