بدأت دول في جميع أنحاء العالم مسيرة تطبيع العلاقات مع طالبان بعد عامين من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بما في ذلك دول آسيا الوسطى، والتي تطبع علاقتها بحذر في ظل مخاوف من أن الحكام الأفغان قد يزعزعون استقرار المنطقة أو يخلقون أزمة مياه.
وتصر كازاخستان، وهي أكبر دولة في آسيا الوسطى، على أن الاعتراف بالجماعة الأفغانية هو أمر غير قابل للنقاش. وأضافت المحكمة العليا في البلاد طالبان إلى قائمتها للمنظمات الإرهابية في عام 2005، لكن هذا التصنيف لم يمنع الدولة الغنية بالطاقة من تعزيز التعاون التجاري مع أفغانستان الملقبة بـ “مقبرة الإمبراطوريات”.
وبلغت التجارة الثنائية بين أفغانستان وكازاخستان 1 مليار دولار في عام 2022، وبحسب الأنباء الواردة تتطلع السلطات الكازاخستانية إلى زيادة تلك النسبة إلى 3 مليارات دولار “في القريب العاجل”. وتشتري أفغانستان حوالي 60 في المئة من الدقيق المستورد من المنتجين الكازاخستانيين. وأبرم الجانبان صفقات تجارية جديدة بقيمة 200 مليون دولار في وقت سابق من هذا الشهر، والتي كانت معظمها التزامات من قبل كازاخستان بتزويد أفغانستان بمزيد من المواد الغذائية الأساسية.
وتنظر أستانا أيضا إلى أفغانستان على أنها معبر مهم، كما يتضح من حقيقة أن كازاخستان أرسلت مؤخرا عدة شاحنات على طريق تجاري جديد إلى باكستان عبر أفغانستان.
ولدى أوزبكستان المجاورة أهداف جغرافية اقتصادية مماثلة، حيث وقع ممثلون من أوزبكستان وباكستان وأفغانستان في 18 يوليو اتفاقية ثلاثية لربط الدول عن طريق السكك الحديدية. وتتطلع أوزبكستان وكازاخستان شرقا إلى باكستان كوجهة تصدير مهمة لبضائعهما، وهي استراتيجية يمكن أن تساعد في الحد من اعتماد الجمهوريات السوفيتية السابقة اقتصاديا وسياسيا على روسيا. إن أهمية أفغانستان كطريق تجاري إلى جنوب آسيا هي السبب الرئيسي وراء رغبة تلك البلدان، مع قيرغيزستان، في تطبيع العلاقات مع طالبان.
لكن التعامل مع الجماعة الأصولية لن يكون سهلا، خاصة بالنسبة لأوزبكستان. وأحد الأسباب هو الماء.
ويمكن لقناة ضخمة تقوم طالبان بناؤها أن تقلل بشكل كبير من تدفق نهر آمو داريا المهم إقليميا، وهذا مصدر قلق كبير لكل من أوزبكستان وتركمانستان، اللتين تقعان في اتجاه مجرى النهر، وإذا أكملت طالبان قناة قوش تيبا، التي تهدف إلى تحويل صحراء أفغانستان الشمالية إلى أراض زراعية، فقد يعاني المزارعون الأوزبك والتركمان. حتى أن هناك مخاوف من أن قوش تيبا يمكن أن تقلل من احتياطيات المياه في أوزبكستان وتسبب جفافا شديدا.
وعلى الرغم من تلك المخاوف، فمن غير المرجح أن تعرض السلطات الأوزبكية علاقاتها مع طالبان للخطر بسبب المشروع. ويدرك صناع السياسة في طشقند أنهم إذا حاولوا منع بناء القناة، فإن طالبان يمكن أن تمنع أوزبكستان من استخدام طريق السكك الحديدية إلى باكستان الذي يتيح الوصول إلى الموانئ البحرية في جنوب آسيا.
وقد يكون موقف طاجيكستان هو الأصعب في التنقل، حيث تعتبر دوشانبي أفغانستان التي تحكمها طالبان تهديدا للأمن القومي الطاجيكي ، ولهذا السبب تدعم القوات المناهضة لطالبان في أفغانستان وخارجها. والأهم من ذلك أن طاجيكستان انضمت إلى أوزبكستان وتركمانستان في التوقيع على بيان يؤكد على “أهمية الاستخدام الرشيد للموارد المائية لنهر آمو داريا”. إنها رسالة واضحة إلى طالبان مفادها أن طاجيكستان لا توافق على خطط الحركة لبناء القناة المثيرة للجدل.
ويبدو أن دول آسيا الوسطى تشارك واشنطن رؤيتها لأفغانستان ما بعد أميركا، وهي دولة شاملة وموحدة وذات سيادة وتعتمد على نفسها وتحترم “حقوق سكانها، بمن فيهم النساء والفتيات، وتعيش في سلام مع نفسها ومع جيرانها”. وتصر الولايات المتحدة وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان على أنه لا ينبغي استخدام أفغانستان “كقاعدة لاستضافة أو تمويل أو تصدير الإرهاب والتطرف العنيف إلى دول أخرى”.
وهكذا، وعلى الرغم من أن القوات الأمريكية لم تعد في أفغانستان، فإن دول آسيا الوسطى تعمل كشركاء لواشنطن في نهجها تجاه حكومة طالبان.
وتحاول وسائل الإعلام الموالية للكرملين في المنطقة الإخلال بذلك التوازن. حيث قال مارس سارييف، أستاذ العلوم السياسية في قرغيزستان، لصحيفة تصدر باللغة الروسية في قرغيزستان إن الولايات المتحدة ستستخدم طالبان في نهاية المطاف لزعزعة استقرار آسيا الوسطى وإضعاف المواقف الروسية والصينية في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية‘ وقال سارييف في وقت سابق من هذا الشهر ” تسيطر علي كل تلك الحركات المتطرفة في أفغانستان، الهياكل الغربية، وكذلك طالبان”،. لذلك، فإن التهديد في شمال أفغانستان ضد جمهورياتنا يتزايد الآن”.
هناك شيء واحد مؤكد: مع مرور العام الثاني على أحدث نسخة لحكومة طالبان، ستستمر دول آسيا الوسطى في توخي الحذر في تعاملها مع أفغانستان، وتنسيق سياستها الأفغانية ليس فقط مع الولايات المتحدة، بل وأيضا مع روسيا والصين. لقد استطاعت واشنطن النأي بنفسها عن البلد المضطرب في أغسطس 2021، لكن جيران أفغانستان لا يملكون ذلك الخيار.
نيكولا ميكوفيتش محلل سياسي في صربيا، يركز عمله في الغالب على السياسات الخارجية لروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، مع إيلاء اهتمام خاص لسياسات الطاقة وخطوط الأنابيب. تويتر: @nikola_mikovic