سينما هوليوود متعلقة ومفتونة بالهيدروجين، حيث قارنت الممثلة الأمريكية جيمي لي كورتيس ذات مرة سيارتها هوندا كلاريتي بـ “سفينة صاروخية” وقالت إنها “ستبكي بقوة إذا أخذت سيارتها منها”.
وهناك البعض الذين انجذبوا إلى الآلات الصامتة والمتقدمة تقنيا التي تنبعث منها المياه فقط مثل الممثلة مينا سوفاري من فيلم (الفطيرة الأمريكية) والممثل شون أستين من فلم (سيد الخواتم) وديان كروجر من فلم (تروي – الجسر) (وقد أثبت كروجر ذات مرة انبعاث المياه من خلال شرب الغاز العادم في جولة عبر وادي الموت، كاليفورنيا).
ولكن في حين أنه من الوارد رؤية سيارات الهيدروجين في بعض الأحياء الراقية مثل سنست بلفوارد، إلا أنها نادرا ما ترى في الطرق والاحياء العادية. فهل هذا على وشك التغيير؟
وبعد نجاح بريوس هايبرد، قدمت شركة تويوتا سيارات الهيدروجين كإشارة إلى اهتمامها بالبيئة، وتتمتع السيارات التي تعمل بالهيدروجين بمدى أطول من معظم السيارات الكهربائية، وهي أسرع بكثير في التزود بالوقود.
ولكن تركيز شركة تويوتا على الهيدروجين أضر بالشركة، التي كانت بطيئة في تطوير السيارات الكهربائية وخسرت تقدمها المبكر ليس فقط أمام تسلا ولكن أمام منافسيها القدامى والصينيين المبتدئين.
وفي الوقت الراهن، تنخفض تكلفة السيارات التي تعمل بالبطاريات، بينما يرتفع المدى والمسافة، وهناك العديد من الانواع في السوق، ومحطات الشحن شائعة بشكل متزايد، والكهرباء رخيصة مقارنة بالهيدروجين التي تعمل بوقود الطرق (أو حتى الغاز أو الديزل). وفي العام الماضي، تم تسليم 10.5 مليون سيارة تعمل بالكهرباء للعملاء.
وعلى النقيض من ذلك، فإن سيارات الهيدروجين نادرة للغاية: حيث تم بيع 15,391 سيارة فقط في جميع أنحاء العالم في عام 2022، وكانت في موطنها الأصلي اليابان ، وانخفضت المبيعات بشكل حاد مقارنة بعام 2021، وكان حوالي نصف جميع المبيعات في سوق واحدة وهو سوق كوريا الجنوبية.
كما أن السيارات الهيدروجينية باهظة الكلفة، حيث تباع ميراي من تويوتا بسعر 49,500 دولار في نسختها الأساسية، ولا يوجد سوى طراز واحد آخر في السوق، وهو نيكسو من هيونداي (وقد انتهى إنتاج هوندا كلاريتي في عام 2021). وتعاني تلك المركبات من مشكلة الدجاجة الأول أم البيضة، حيث يوجد حاليا عدد قليل جدا من محطات الوقود، ولن يتغير الوضع حتى تصبح السيارات الهيدروجينية نفسها أكثر شيوعا.
وأخيرا يعتبر الهيدروجين كوقود غالي الثمن، ففي كاليفورنيا، ارتفعت الأسعار من 16 دولارا إلى 25 دولارا للكيلوغرام، أي ما يعادل تقريبا سعر جالون البنزين الذي يباع بسعر 3.58 دولار في المتوسط. وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي، وهو المادة الخام للهيدروجين المباع اليوم ، لكن من يقف وراء ذلك الارتفاع هم الأحجام الصغيرة والنقل والتخزين، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر العميل إلى ما هو أبعد من تكلفة الإنتاج الخام.
ولكن هل هناك أمل في أن ينتج الهيدروجين في النقل البري؟ مع الاستراتيجيات الصحيحة – مثل التركيز على الشحن – ريما يكون هناك أمل.
وتعد بطاريات الشاحنات الكهربائية أو الحافلات التي تعمل بالكهرباء ثقيلة الوزن، مما يحد من الأحمال القانونية، والنطاقات الكهربائية منخفضة أيضا: حيث يمكن للشاحنة الإلكترونية قطع 300 كيلومتر بشحنة واحدة، وفي الوقت نفسه، يمكن لشاحنة تعمل بخلايا الوقود أن تقطع مسافة 500 كيلومتر اليوم، وربما ثلاثة أضعاف ذلك في المستقبل.
وعلاوة على ذلك، فإن معدلات الشحن للشاحنات الضخمة تصل إلى 25 ميجاوات لمحطة تعبئة لخدمة 50 شاحنة في ساعتين، أو أكثر من 20 ألف أسرة أميركية متوسطة وهو ما يتطلب تعزيزا كبيرا وتوسعا للشبكة الكهربائية، وخاصة في المواقع النائية.
وعلى النقيض من ذلك، يمكن تصنيع وقود الهيدروجين منخفض الكربون من الغاز الطبيعي (أو الهيدروجين “الأزرق”) أو الكهرباء المتجددة (“الخضراء”) مقابل ما بين 1.50 دولار إلى 3 دولارات للكيلوغرام الواحد – وهو أرخص بكثير من الوقود المشتق من النفط. وعلى عكس الكهرباء، يمكن تخزين الهيدروجين بسهولة لفترات طويلة، ويمكن تعبئة المركبات بسرعة، والهيدروجين خفيف (على الرغم من ثقل الخزانات عالية الضغط التي تحمله).
من المنظور العام لإزالة الكربون على الصعيد العالمي، يجب على صانعي الشاحنات وشركات النقل البري الاقتراب من صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصفرية بحلول عام 2040. وقد تكون خلايا وقود الهيدروجين، التي لا تعاني من اختناقات في إمدادات المعادن الهامة مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل، أسرع طريقة للوصول إلى ذلك الهدف.
وتتوقع “بلومبرق ان أي اف” أن الشاحنات الثقيلة التي تعمل بخلايا الوقود يمكن أن تقترب من القدرة التنافسية الاقتصادية مع كل من طرازات البطاريات والديزل بحلول عام 2030، ولكي يحدث ذلك، يجب أن تنخفض تكلفة خلايا الوقود من حوالي 280 دولارا لكل كيلوواط اليوم إلى أقل من 150 دولارا لكل كيلووات، وتكلفة الهيدروجين إلى حوالي 5.50 دولار للكيلوغرام الواحد. وتبدو تلك الأهداف قابلة للتحقيق، لا سيما في المناطق القريبة من إنتاج الهيدروجين. وإذا كانت محطات الهيدروجين متباعدة على طول عدد قليل من طرق النقل بالشاحنات الرئيسية، فقد لا تكون هناك حاجة إلى وجود عدد كبير جدا منها.
ويمكن أيضا استخدام مركبات الهيدروجين في العمليات شبه المستمرة، مثل الرافعات الشوكية وشاحنات الموانئ وشاحنات التعدين. وأيضا القطارات حيث تدير شركة البي-وزر للسكك الحديدية في شمال ألمانيا العديد من قطارات الهيدروجين.
ويمكن أن يتوسع استخدام الهيدروجين من قبل الشاحنات من الصفر تقريبا اليوم إلى 5 ملايين طن بحلول عام 2040 وما يصل إلى 30 مليون طن بحلول عام 2050. ويمكن أن ترتفع توقعات الاستهلاك العالمي للهيدروجين لجميع الاستخدامات إلى 600 مليون طن في نفس الإطار الزمني، ووقعت أمازون صفقة مع (بلق اند بور) لتوفير الهيدروجين ، وتهتم هي وشركة (يو بي سي) بالمركبات.
وبالتالي، يمكن أن تكون المركبات البرية الثقيلة التي تعمل بالهيدروجين مساهما مفيدا في خطط إزالة الكربون في الشرق الأوسط، لا سيما مع توسيع قطاع التعدين والسعي إلى تطوير ممرات تجارية طويلة المدى.
وستستفيد أكبر البلدان، مثل المملكة العربية السعودية، أكثر من غيرها، حيث يمكن لشاحنة مسافرة عبر البلاد أن تمتلئ بالهيدروجين الأزرق في الجبيل على ساحل الخليج العربي، وربما تزود بالوقود مرة واحدة على طول 1,800 كيلومتر، وتوصيل حمولتها إلى نيوم، ثم تعيد تعبئتها بالهيدروجين الأخضر لرحلة العودة، بينما تستغرق حوالي 19 ساعة باستثناء فترات الراحة. وستحتاج الرحلة نفسها في شاحنة كهربائية إلى ثلاث محطات شحن وتستغرق حوالي خمس ساعات زيادة عن ذلك.
لن يقود النقل البري الطلب على الهيدروجين، لذلك يجب تبرير خطط الطاقة الخضراء الطموحة في المنطقة بناء على الطلب من قطاع الصناعة والنقل، ولن يحدث ذلك تلقائيا. وإذا أرادت دول الشرق الأوسط لعب دورا مهما في مجال شاحنات وحافلات الهيدروجين، فيجب عليها توفير الوقود بسهولة بأسعار معقولة، والعمل مع شركات صناعة السيارات لطلب وإنتاج المركبات.
إذا كان للنقل الهيدروجيني مستقبل ، فلن يأتي عن طريق مشاهير هوليوود في حلتهم الباهية، ولكن من خلال المزيد من سائقي الشاحنات الذي يتصببون بالعرق.
روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة النفط”.
