عندما كانت روسيا تحشد قواتها على الحدود الأوكرانية قبل الغزو في 24 فبراير، أفادت مصادر محلية بأن المقاتلين السوريين كانوا يسجلون أسماءهم بالفعل للانضمام إلى القوات الروسية. ولم تكن المزاعم بجهود التجنيد الجارية مفاجئة كليًّا؛ إذ جاءت محاكية لعمليات نشر سابقة لقوات المرتزقة السوريين من قبل روسيا في ليبيا، وغيرها من الأماكن الأخرى.

ازدادت هذه الأخبار قوة بعد أن أعطى الرئيس فلاديمير بوتين الضوء الأخضر في 11 مارس لـ «16000 متطوع» من الشرق الأوسط لينضموا إلى صفوف المقاتلين في أوكرانيا. وعلى الرغم من تصاعد الحرب، لا يوجد حتى الآن دليل قاطع على أن السوريين قد وصلوا إلى أوكرانيا أو بدأوا القتال هناك. فيبدو أن الجوانب اللوجستية، إلى جانب مدى احتياج الكرملين إلى مزيد من القوات الفعلية في ساحة المعركة، قد أرجأت وصولهم. لكن مع تزايد أوضاع الصراع سوءًا بالنسبة لروسيا، لا يمكن استبعاد تعبئة المرتزقة السوريين للقتال.

إن استخدام المقاتلين السوريين في الخارج ليس بالأمر الجديد؛ فقد أدى عقد من الصراع الوحشي إلى نقص الفرص داخل سوريا وتراجع الأمل في مستقبل مستقر. ولكن ما يمتلكه العديد من الشباب السوري هو الخبرة في القتال، وهي مهارة مطلوبة بشدة محليًا وخارجيًا.

على مدار عدة سنوات، تم تجنيد سوريين من الجماعات الموالية للنظام والمعارضة له على حدٍّ سواء وإرسالهم للقتال في ليبيا، فضلًا عن استخدامهم في نزاع 2020 بين أرمينيا وأذربيجان في منطقة ناغورنو كاراباخ، بل وأفادت تقارير أيضًا بإرسال مرتزقة سوريين إلى فنزويلا وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد سمح الاستخدام المتزايد للمرتزقة السوريين، الذين تم انتزاعهم من جانبي الصراع في الداخل، لروسيا وتركيا بمتابعة أهداف سياستهما الخارجية بتكلفة منخفضة وتحت عباءة الإنكار.

في الأشهر الثلاثة الماضية، كانت هناك معلومات مباشرة عن عملية التجنيد الجارية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. ففي محاكاة للجهود السابقة، ورد أن هذه العملية تقوم بها مجموعة فاغنر الروسية بالتنسيق مع وسطاء محليين، بما في ذلك شركات الأمن الخاصة وقوات المتمردين السابقة والفصائل الموالية للنظام.

ومن حيث الحوافز، يُمنَح المرتزقة رواتب شهرية تتراوح من 1000 إلى 3000 دولار حسب الخبرة. والحد الأدنى لهذه الرواتب أكثر عشر مرات من متوسط ​​الراتب الذي يمكن أن يكسبه أي من هؤلاء المرتزقة في سوريا. يقدَّم للمقاتلين كذلك تعويضات عن الإصابة أو الوفاة.

ووفقًا لمسؤولي المخابرات الأوروبية، سجل 40 ألف سوري أسماءهم للقتال في أوكرانيا ووصل بالفعل 150 منهم على الأقل إلى روسيا. ومع ذلك، فلا توجد حتى الآن أدلة مؤكدة تثبت أن أي مرتزقة سوريين قد وصلوا إلى الخطوط الأمامية للقتال. وقد تكون الصعوبة اللوجستية لنقلهم إلى ساحة المعركة أحد أسباب ذلك؛ فعلى موسكو أن تنقل أولًا المقاتلين من مناطق مختلفة داخل سوريا إلى قاعدتها الجوية العسكرية في حميميم باللاذقية. وبعد ذلك، يُنقَل المقاتلون جوًا إلى روسيا قبل نشرهم في أوكرانيا. وعادةً ما يُستخدَم هؤلاء المرتزقة كجنود مشاة، ومن ثم فعلى موسكو نقل عدد كبير منهم ليكون تأثيرهم العسكري كبيرًا في ساحة المعركة.

لكن صعوبة نقل مئات المقاتلين ليست السبب الوحيد وراء النقص في نشرهم بأرض المعركة. فعلى الرغم من حجم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ما زال لدى روسيا موارد هائلة يمكنها استخدامها في كلٍ من هجومها على جارتها ومواصلة دعمها العسكري الذي ساعد بشار الأسد على البقاء بالسلطة في سوريا. وربما تراود موسكو الشكوك بشأن ما يمكنها جنيه من استخدام السوريين في أوكرانيا.

فبينما اعتمدت روسيا عادةً على المرتزقة السوريين في الحروب بالوكالة كما هو الحال في ليبيا، فإنها تعتمد اعتمادًا أساسيًّا على قواتها الخاصة في أوكرانيا. هذا يعني أن روسيا ليست في حاجة ماسة إلى قوات فعلية في ساحة المعركة لأي غرض بخلاف تعويض الضرر السياسي المحلي الذي لحق ببوتين من الخسائر الروسية. وقد استعانت موسكو بالفعل بقوات من الشيشان التي يحكمها رمضان قديروف الموالي لبوتين. ومع ادعاء موسكو أنها تحوّل تركيزها إلى شرق أوكرانيا بعد فشلها في الاستيلاء على كييف، هل تحتاج روسيا حقًا إلى المزيد من القوات الأجنبية في هذه المرحلة؟

علاوة على ذلك، فإن المرتزقة السوريين ليسوا قوة من النخبة؛ فهم يفتقرون إلى الانضباط، ونظرًا لتجنيدهم بشكل فردي، فإنهم يفتقرون إلى القدرة على القتال كوحدة واحدة، وهم لا يعرفون كذلك التضاريس في أوكرانيا، ولا يتحدثون اللغة اللازمة للتنسيق السريع مع القوات الروسية. والأهم من ذلك أن نشر المرتزقة الأجانب سيزيد من تلويث سمعة القوات الروسية وتعميق الصدع مع الغرب.

إذا كان هذا الحال إذن، فلماذا يقضي وسطاء روسيا ثلاثة أشهر في جمع تفاصيل عن 40 ألف سوري دون تأييد أو تعليمات من روسيا؟ ربما كانت موسكو تهدف إلى تصوير العملية على أنها علامة على الدعم الدولي لحربها في أوكرانيا. ادعى بوتين بالفعل أن مَن يتطوعون من الشرق الأوسط للقتال في أوكرانيا «تدفعهم الرغبة في مساعدة أولئك الذين يعيشون في دونباس».

رغم ذلك، فمن الحكمة عدم استبعاد احتمال ظهور مرتزقة سوريين في أوكرانيا بشكل كامل؛ فالمقاومة الأوكرانية للغزو أكثر شراسة بكثير مما توقعته موسكو في البداية. لذا، فقد يؤدي الصراع الطويل في أوكرانيا إلى زيادة حاجة روسيا إلى مقاتلين يمكن الاستغناء عنهم.

بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، فإن نقص الفرص المالية وعدم الاستقرار داخل سوريا يعني أن الشباب السوري قد أصبحوا سلعة للتصدير إلى مناطق الحرب في العالم — سلعة ستستمر روسيا، وغيرها، في استغلالها.

 

د. حايد حايد صحفي سوري وزميل استشاري في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: