في الأسابيع الأربعة التي تلت غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، متحديًا الغرب ومُدمِرًا المدن الأوكرانية، فرَّ أكثر من ثلاثة ملايين أوكراني من بلادهم للنجاة بأرواحهم ولجأوا إلى دول أوروبية، مثل ألمانيا وبولندا ورومانيا والمملكة المتحدة، فيما وصفته الأمم المتحدة بـ «أزمة اللاجئين الأسرع تفاقمًا في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية». وبينما تفتح أوروبا حدودها كما يجدر بها أمام الأوكرانيين الفارين من قنابل بوتين، هل تستطيع الحكومات الأوروبية أن تستقبل بنفس الحفاوة مَن «لا يشبهونهم»؟
سلطت التغطية العالمية للمدنيين الأوكرانيين، الذين سُحقوا تحت وطأة السياسات التوسعية القاسية لروسيا، الضوء على إنسانية مَن يفرون من الحرب. قصص الأمهات الشجاعات اللاتي يلتمسن في يأس الأمان لأطفالهن، والصور التي تمزق القلوب لمَن لم ينجوا بحياتهم، والحالة العامة من عدم التصديق التي تغلغلت التغطية بأن هذا لا يمكن أن يحدث في أوروبا، كل ذلك أدى إلى إضفاء الطابع الإنساني على حرب أوكرانيا وضحاياها على عكس ضحايا آخرين.
تحدث الصحفيون والساسة على حد سواء عن أوكرانيا ومواطنيها بعبارات تلفت الانتباه إلى مدى «اختلافها» عن بلدان مثل سوريا وأفغانستان والعراق واليمن والصومال وغيرها من الدول خارج أوروبا. فمصطلحات مثل «متحضرين» و «يشبهوننا» و«هذه أوروبا» تشير إلى أن غير الأوروبيين ليسوا فقط أقل من الأوروبيين، بل أيضًا أكثر خطورة، وغير مألوفين، ويحملون معهم تهديدًا محتملًا للمجتمعات الغربية.
فقال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف صراحةً للصحفيين أواخر الشهر الماضي إن الأوكرانيين «أذكياء ومتعلمون» لأنهم «أوروبيون». «هذه ليست موجة اللاجئين التي اعتدنا عليها من أشخاص لم نكن متأكدين من هويتهم، أشخاص لديهم ماض غير واضح، بل وقد يكونون إرهابيين». في نظر بيتكوف، اللاجئون الأوكرانيون قوة عاملة محتملة، في حين اللاجئون غير الأوروبيين إرهابيون محتملون. أما المجر، فرغم نهجها المتشدد تجاه المهاجرين الذين يسعون إلى الدخول إليها، فإنها ترحب أيضًا باللاجئين الأوكرانيين؛ إذ قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان: «نحن قادرون على التمييز بين المهاجر واللاجئ … فنحن نوقِف المهاجرين، بينما يمكن للاجئين الحصول على كل المساعدة الممكنة منا».
لا يقتصر الأمر على الساسة فحسب في رسم هذا التناقض بين اللاجئين «الجيدين» و«السيئين»، أو المُرحَب بهم وغير المرغوب فيهم؛ إذ يستخدم بعض الصحفيين اللغة نفسها. فقال بيتر دوبي مقدم برامج قناة الجزيرة الإنجليزية: «هؤلاء أناس مترفون ينتمون إلى الطبقة الوسطى». وأضاف: «ليسوا أشخاصًا يحاولون الهرب من مناطق في الشرق الأوسط ما تزال تشتعل بالحرب … إنهم يبدون مثل أي عائلة أوروبية يمكنكم العيش بجوارها».
هذه النظرة المتفشية للاجئين غير الأوروبيين باعتبارهم «الآخر» وتهديدًا محتملًا لحياة الغربيين وسبل عيشهم سمحت للبلدان بتسليح الأبرياء الفارين من العنف والدمار في أوطانهم واستغلالهم لجني الأموال وشيطنتهم. في عام 2019، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ «فتح أبواب بلاده» لملايين اللاجئين السوريين الذين يتوقون لوطئ الأراضي الأوروبية، ردًا على ما اعتبره عدم كفاية الدعم الأوروبي لمنطقة آمنة عبر الحدود التركية مع سوريا.
وفي ليبيا، يسمح الاتحاد الأوروبي بوجود سجون يعمها البؤس والشقاء ويتفشى فيها التعذيب من خلال تمويل خفر السواحل الليبي في تصديه للمهاجرين الأفارقة الذين يحاولون يائسين الوصول إلى أوروبا.
وفي نوفمبر 2021، لم يغير الاحتجاج الدولي على الغرق المروع لـ 27 شخصًا من الصومال والعراق وأفغانستان، من بين دول أخرى، في القناة الإنجليزية أثناء محاولتهم الوصول إلى المملكة المتحدة من فرنسا، سياسة اللاجئين البريطانية أو الفرنسية. ولم تسفر هذه المأساة سوى عن تبادل إلقاء اللوم العلني بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
يستخدم المرشحون الأوروبيون عادةً اللاجئين غير الأوروبيين في وقت الانتخابات لتسجيل نقاط في المناظرات أو إثبات وطنيتهم للناخبين المحتملين، بقصد أو غير قصد — ولكن في كلتا الحالتين بشكل غير مسؤول — مما يدفع أوروبا أكثر فأكثر نحو أيدي الحركات الشعبوية والقومية والمناهضة للمهاجرين.
يجب على المرء أن يسأل عما إذا كان هناك مسار مختلف يمكن لأوروبا أن تسلكه للمضي قدمًا لا يصنف البشر بناءً على عرقهم أو جنسيتهم أو كونهم مألوفين لمَن هم في السلطة. فإذا أُجبِر بوتين على التراجع في أوكرانيا ولم يصبح جيشه المتضائل يشكل تهديدًا للشعب الأوكراني، فهل يمكن لأوروبا أن تجد طريقة لتطبيع قبول اللاجئين بغض النظر عن المكان الذي يأتون منه أو كيف يبدون؟
يأتي أكثر من نصف اللاجئين على مستوى العالم من ثلاث دول فقط: سوريا وأفغانستان وجنوب السودان، ويحاول الآلاف منهم الوصول إلى أوروبا ويفشلون في ذلك نتيجة لقوانين الهجرة التي تتزايد صرامة في جميع أنحاء القارة. فيرجع أحد أسباب انتشار الخوف من قدوم أشخاص «غير مألوفين» إلى أوروبا إلى أن المرء لا يرى أبدًا شخصًا من «تلك البلدان» ما لم تغطيه وسائل الإعلام أو يناقشه الساسة في سياق الحرب أو الإرهاب أو النوايا الاقتصادية العدوانية.
إن الاستجابة العالمية الأكثر إنصافًا وإنسانية للاجئين قد تزيد من صعوبة اعتبار اللاجئين أو المهاجرين من الدول النامية أو الفاشلة على أنهم «الآخر»؛ أي جموع مجهولة الهوية يجب الخوف منها أو نسيانها. في الواقع، إذا كانت الألفة لا تولد الاحتقار، بل التعاطف، فإن الحرب في أوكرانيا قد تكون تذكيرًا بالتجربة المشتركة للمعاناة الإنسانية في أوقات الصراع. إن الاستجابة لهذه الحرب يثبت أن اللطف والكرم الأوروبي الذي ظهر بشكل مشجع تجاه الأوكرانيين يمكن أن يمتد إلى الآخرين الذين قد لا يشبهونهم.
ياسمين الجمل مديرة أولى لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا في معهد الحوار الاستراتيجي. وهي مسؤولة سابقة في البنتاغون عملت مستشارةً لسياسات الشرق الأوسط لأربعة وزراء دفاع أمريكيين.