بعد تعليق العلاقات السياسية والاقتصادية مع جارتها الشمالية لما يقرب من 10 سنوات، تُسابق المملكة الأردنية الريح، في الوقت الراهن، في محاولة لإعادة بناء العلاقات مع النظام السوري.

ويبدو أن تقارب المملكة الأردنية مع سوريا يعكس الاقتناع المتزايد في المنطقة بأن التواصل مع بشار الأسد هو أفضل طريقة للحفاظ على المصالح الخاصة، وتم تنحية الخلافات الفكرية والسياسية جانباً، حيث تسعى عمّان إلى تحسين التنسيق مع دمشق في العديد من المجالات الاستراتيجية، بما في ذلك التجارة والأمن وإمدادات المياه.

وفضلاً عن كونه غير أخلاقي، فإن المخطط الأردني يبالغ في تقييم قدرة بشار الأسد أو رغبته للاستجابة بشكل إيجابي لجهود التطبيع، ومع اقتراب انتهاء الحرب، يرى النظام السوري نفسه في موقع أقوى، وهذا يحد من فرص الأردن ويقلل من آثار العواقب إذا ما قررت دمشق عدم تلبية التوقعات الأردنية.

وقد تطورت سياسة الأردن الخارجية تجاه سوريا بشكل ملحوظ منذ المرحلة الأولى للصراع في عام 2011، عندما راهن الأردن على فوز المعارضة السورية ضد نظام الأسد.

وكان الأردن من أوائل الدول المتاخمة لسوريا التي قطعت علاقاتها مع دمشق، وصوتت لصالح تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، ودعت الأسد للتنحي، حتى أن عمّان استضافت عمليات استخبارات إقليمية وغربية لتدريب وتسليح المتمردين السوريين.

ومع ذلك، بدأت العلاقات بين الخصمين في التحسن بعد عام 2017 لعدة أسباب، على رأسها بقاء النظام السوري على قيد الحياة واستعادته لجنوب البلاد، وقد بدأت المملكة في البحث عن طرق أقل عدائية لتأمين أولوياتها الاستراتيجية في سوريا، بعد أن رأت قدرة الأسد على تغيير مجرى الحرب لصالحة.

ويركز النهج الجديد للمملكة على مساعدة النظام في كسر عزلته الدبلوماسية من خلال إعادة العلاقات الثنائية مع دمشق والعمل على إعادة تقديم الأسد إلى المجتمع الدولي، وتحقيقا لتلك الغاية، كثفت عمّان محادثاتها مع الجانب السوري، واستضافت عدة اجتماعات مع كبار المسؤولين السوريين، كما نسقت مكالمة هاتفية بين الرئيس الأسد والملك الأردني عبد الله الثاني.

وكان الأردن يحاول أيضًا إقناع الولايات المتحدة، ودول أخرى، على اعتماد مسار نفعي لتغيير سلوك دمشق بصورة تدريجية. مقابل ذلك، تتوقع عمان أن يعمل النظام السوري معها على زيادة التعاون الاقتصادي وإحياء اتفاقيات المياه القديمة ومكافحة تهريب المخدرات.

وفي حين أن النظام السوري قد يبحث عن نوع من المقايضة مع عمان، لكنه غير متوافق مع توقعات المملكة منه، فالأسد يشعر أن التحول الاستراتيجي لعمان جاء بسبب فشل نهجها العدائي ضده، ويُنظر إليه على أنه إشارة على استسلام المملكة بدلاً من كونه بادرة حُسن نية قيّمة، لكسر عزلته الدبلوماسية بعد عقد من الحرب الأهلية.

وعلى وجه التحديد، فإن الانتصارات العسكرية، والانتصارات السياسية التي حققها الأسد مؤخرًا شجعته على أن يكون أكثر انتقائية في تلبية الطلبات التي يشعر نحوها بالارتياح.

على سبيل المثال، جعل اتفاق البلدين حول الاستئناف السريع للتجارة عبر الحدود من تلك المهمة أسهل من غيرها، وقد تجلى ذلك في القرارات المتبادلة التي اتُخذت لإعادة فتح المعبر الحدودي في سبتمبر وإعادة إنشاء المنطقة الحرة المشتركة بين البلدين، وهو الأمر الذي ساهم في تعزيز التجارة بين البلدين.

ولكن يبدو أن دمشق لا تتمتع بنفس القدر من روح التعاون فيما يتعلق بإعادة تفعيل اتفاقية المياه، والتي تعد واحدة من المصالح الحيوية الرئيسية للأردن في سوريا.

ويعاني الأردن من ندرة المياه، كما يحاول إقناع النظام باستئناف تشاطر المياه من نهر اليرموك، ووفقًا لمعاهدة عام 1987، يتعين على سوريا تزويد الأردن بـ 200 مليون متر مكعب من المياه من النهر كل عام، وسوريا، التي تواجه أيضًا نقصًا حادًا في المياه بسبب الجفاف وانخفاض الإمدادات من تركيا، تتجاهل مطالب الأردن بزيادة التدفق المائي، ومن المحتمل أن يستمر هذا الموقف إلى المستقبل المنظور.

كما يأمل الأردن في تعاون أكبر مع النظام السوري للتصدي لتهريب المخدرات الذي تعتبره عمان من أكبر التهديدات لأمنها القومي.

وبحسب تصريح نائب رئيس الوزراء الأردني، فقد أحبط الأردن منذ شهور محاولات التهريب وصادر كميات كبيرة من المخدرات القادمة عبر الحدود السورية، وتجري عمان محادثات رفيعة المستوى مع المسؤولين السوريين لزيادة الجهود لتأمين الحدود واعتراض المخدرات المتجهة إلى الأردن.

ورغم إحباط النظام عدة محاولات لتهريب حبوب الكبتاغون من سوريا، إلا أن تجارة المخدرات استمرت في الازدهار، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن شركاء الأسد الأقوياء، ينتجون ويبيعون الأمفيتامين “ويخلقون دولة مخدرات جديدة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط”.

وعليه، فإن تورط النظام في إنتاج وتهريب المخدرات سيستمر في تثبيط عزيمته لتلبية طلبات عمان.

إن قرار عمان بتبني موقف أكثر ودية تجاه النظام السوري لا يكفي لتحفيز الأسد على زيادة التعاون في مجالات أخرى غير مجال التجارة، وذلك لأن الحوافز التي قدمها الأردن لدمشق تعتبر أمراً مفروغاً منه، كما تعتبر بالنسبة للأسد حوافز خالية من المخاطر.

 

 الدكتور هايد هو زميل استشاري مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: