إن النجاح الذي حققه النظام السوري مؤخرًا في إعادة السيطرة على أغلب المناطق التي تخضع لسيطرة المتمردين وضع إدلب في مرمى القوات الموالية لهذا النظام. ونتيجة لذلك، مارست تركيا ضغوطًا شديدة على قوات المعارضة المسلحة الموجودة في شمال غرب سوريا للاندماج في كيان واحد يُعرف الآن بالجبهة الوطنية للتحرير، وينظر الجميع إلى تلك الخطوة على أنها جزء من الخطة التي وضعتها أنقرة لمنع النظام السوري من اجتياح آخر معاقل المتمردين في البلاد. وبالنظر إلى فشل تركيا في جهودها السابقة لتوحيد القوات المتمردة، إلا أن المحللين يشككون في قدرة الجبهة الوطنية للتحرير على منع الهجوم أو التصدي له.
وفي ظل تهديد النظام السوري وحليفته روسيا بالهجوم على إدلب، فان هناك ملايين المدنيين ممن نزحوا عن مناطق أخرى من مناطق النزاع سيكونون عرضة لهذا التهديد. وبالرغم من المفاوضات التي تجريها أنقرة مع موسكو للحيلولة جزئيًا دون وقوع أزمة إنسانية محتملة، هناك إمكانية حقيقة بأن تتورط القوى الإقليمية الرئيسية أكثر في تلك حرب بالوكالة.
ومع اقتراب معركة إدلب، لا تزال قدرة التحالف الذي تدعمه تركيا على الصمود في تلك المعركة محل شك كبير. وفي شهر مايو الماضي تم الإعلان عن تكوين الجبهة الوطنية للتحرير وذلك بعد مفاوضات طويلة وشاقة بين قادة المتمردين وبرعاية تركية. وتضم الجبهة الوطنية للتحرير حوالى “11” فصيل مسلح متوسطي العدد ويقيمون في المناطق السورية الشمالية والمركزية، ومن تلك الفصائل “فيلق الشام”، و”جيش إدلب الحر”، و”شهداء فيلق الإسلام”، و”جيش النصر” وهو أكبر قوة متمردة في البلاد لأنها تتألف تقريبًا من أكثر من “15,000” مقاتل. ومع حلول شهر أغسطس، وفي ظل الضغط التركي المتواصل، انضمت القوات المتمردة الرئيسية الأخرى وهي “جبهة تحرير سوريا” و(أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي)، وجيش الأحرار وصقور الشام، إلى التحالف ليضم بذلك “16” فصيل وأكثر من 40,000 مقاتل.
وبالرغم من النجاح الأخير في توحيد الجماعات المختلفة، لاتزال هناك تحفظات جادة حول هذا الأمر، فالعديد من المحللين السوريين فضلاً عن السكان الذي يعيشون هذا الواقع لا يثقون في جدوى اندماج تلك الفصائل وقدرتها على الاستمرار وذلك في ظل محافظة تلك الفصائل على قادتها وهيكلها التنظيمي وأجندتها ومناطق نفوذها. كما أن مشروع إنشاء تحالف قوي وموحد يمثل تهديدًا لكل مستفيد من حكم الإقطاع هذا. وتفاديًا لأي صراع مفتوح مع تركيا، وافقت المجموعات المتمردة التي تعرضت قبل ذلك لضغوط لتتحد مع بعضها على الاندماج رمزيًا مع المحافظة على هيكلها التنظيمي والتسلسل القيادي ومناطق العمليات.
إن ما قامت به تركيا مؤخرًا من مجهود لتوحيد الفصائل المتمردة المختلفة في المناطق المركزية كان الهدف منه إنشاء جيش وطني في ديسمبر من عام 2017. وبعد أشهر من المفاوضات، وقعت ثلاث وثلاثون “33” مجموعة متمردة سورية مدعومة من تركيًا على وثيقة الموافقة على الاندماج في شكل ثلاثة فيالق مسلحة كمرحلة أولى، وكان من المفترض أن يتبع هذا الاتفاق اندماجًا كاملاً. وبعيدًا عن الاندماج الشكلي، فشلت الفصائل فشلاً ذريعًا في تكوين هيكل وطني يعبر عنها.
ويحتج ممثلو الجبهة الوطنية للتحرير بقولهم أن التحالف الجديد قد نشأ في ظل ظروف متباينة، ولهذا فإنه يواجه قدرًا مختلفًا. وكلما ربح النظام السوري، استمرت الحجج، وهذا يدل على أنه لا سبيل أمام المجموعات المتمردة سوى الاندماج. ومع أن المجموعات المسلحة استطاعت أن تنأى بنفسها في وقت سابق عن التصرف كمجموعات مخربة هدفها هو الإبقاء على نفوذها ومصالحها، إلا أن الفشل في الاندماج في الوقت الحالي يدل على أن ثم هزيمة حتمية ستواجهها تلك المجموعات. وبالمثل، وبخلاف ما سبق عندما كانت المجموعات المتمردة تتلقى دعمًا من العديد من الجهات المانحة، فإن الغالبية العظمى من فصائل الجبهة الوطنية للتحرير تحصل على تمويلاً مباشرً من تركيا.
ومع وجود بعض المزايا في وجهة النظر السابقة، إلا أنها مبنية على فرضية خاطئة وهي أن تركيا ترغب في تنفيذ الاندماج بالقوة، ورغم أن تركيا مهتمة بإنشاء هيكل عسكري موحد، فإنها مازالت ترفض التعامل مع الفوضى التي قد تحدث إذا ما تحتم عليها اتخاذ إجراءات تأديبية. والواقع ان أنقرة تمتلك الآن في يديها الكثير من خيوط اللعبة، وتريد تفادي الفراغ الأمني المحتمل أو حتى المقاومة المسلحة التي قد تحدث في ظل هذا السيناريو.
ورغم أنه من المتوقع أن تستغل تركيا الجبهة الوطنية للتحرير لإدارة حلفائها من خلال تزويدهم بالتعليمات والتنسيق فيما بينهم، يظل تشتت تلك الفصائل في واقع الأمر أمرً مفيدًا لمصالح تركيا، حيث زاد اعتماد المجموعات المنافسة المقسمة صغيرة العدد على تركيا للحصول على دعمها وحمايتها من المجموعات الأخرى والنظام أيضًا.
وبغض النظر عن قدرة الجبهة الوطنية للتحرير على بسط نفوذها على الفصائل المختلفة لمدة طويلة، فإن مجرد توحد أغلبية القوات المتمردة الموجودة في شمال سوريا ضمن غرفة عمليات واحدة قد عزز قدرتها على رد الهجود المتوقع والتصدي له. ربما لايزال التحالف غير قادرٍ على منع النظام من السيطرة على إدلب، إلا إنه سيجعل المهمة أمام النظام أكثر صعوبة. ولهذا اتحاد الفصائل معًا وتكوين جبهة التحرير الوطنية سيعزز من الموقف التركي في مفاوضاته المستمرة مع روسيا لمنع وقوع كارثة إنسانية في “إدلب” عبر الوسائل السياسية.
AFP PHOTO/YASIN AKGUL