تركز معظم وسائل الإعلام في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، على القتال الضاري الذي تشهده الخطوط الأمامية بمحافظة إدلب الكبرى، وقد أسفر الهجوم الذي استمر عدة أسابيع والذي شنته القوات الموالية للنظام السوري، والمدعوم بحملة قصف روسية هائلة، عن العديد من الخسائر في صفوف القوات الحكومية، بينما لم ينجح سوى في تحقيق القليل، وقد تدهور الموقف إلى الدرجة التي دفعت روسيا إلى نشر قوات خاصة لدعم التشكيلات السورية على الأرض.
وفي خضم كل تلك الأحداث؛ استمرت واحدة من أكثر القصص المثيرة للاهتمام هذا العام في الظهور بجنوب سوريا، ففي الثالث عشر من يوليو اصطدمت قافلة تابعة للشرطة العسكرية الروسية في دورية بمحافظة درعا بقنبلة مزروعة على جانب الطريق أثناء سيرها بين مدينتي خربة ومعربة، على مسافة نحو 10 كم من الحدود السورية مع الأردن، ولم يسفر الهجوم عن خسائر بشرية، لكنها تعُد المرة الأولى التي تتعرّض فيها القوات الروسية في المنطقة لمثل تلك الهجمات.
وقد كانت تلك ببساطة آخر التطورات بالنسبة لمجرى أحداث العنف في درعا، وقد عادت تلك المنطقة التي كانت تعُد معقلًا للثوار؛ إلى سيطرة النظام في يوليو عام 2018، عقب إبرام صفقة لإخلاء المنطقة بوساطة روسية، حيث سلَّم الثوار أسلحتهم الثقيلة وعُرِض عليهم إما الرحيل إلى إدلب أو إعادة الاندماج داخل التشكيلات الأمنية التي تتبع النظام بصورة إسمية فقط.
وبعد إتمام تلك الصفقة بوقت قصير؛ تراجع النظام عن العفو عن هؤلاء الثوار، وأخلف وعوده السابقة، وذلك عبر اعتقال الثوار الذين سبق التصالح معهم، وتجنيدهم إجباريًا لتنفيذ بعض العمليات القتالية في الشمال السوري. وسرعان ما أسفر ذلك عن موجة جديدة من التمرد، والذي كان مُشتتًا في البداية، لكنه ما لبث أن نما مجددًا بصورة مطردة، أظهرت إحدى الخرائط التي نشرتها شبكة إيتانا المعارضة الناشطة، الهجمات التي استهدفت قوات النظام على مدار الأشهُر التسعة الماضية، والتي بلغت ما لا يقل عن 30 هجومًا، كما وصفت إحدى المقالات التي نُشِرت في نفس الشهر على صفحات المجلة الأمريكية، “فورين بوليسي”، الوجود المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الجنوب السوري، الذي تزامن مع تهريب أكثر من 1500 مقاتل إلى تلك المنطقة الواقعة بالصحراء السورية الشرقية على مدار الأشهُر الماضية.
وبعد أربعة أيام من حادث القنبلة التي استهدفت القوات الروسية، وتحديدًا في السابع عشر من يوليو، تعرّضت قوات النظام لهجوم بعبوة ناسفة بالقرب من مدينة اليادودة، مما أسفر عن مقتل 5 وجرح 16 آخرين، مما يجعله من أكبر الهجمات الفردية التي استهدفت النظام حتى اليوم.
ومن الواضح أن تلك التطورات تمس الأولويات الروسية في سوريا، لولا حقيقة سعي موسكو لاستغلال درعا لإبراز مدى إحكام السيطرة الروسية على البلاد. كانت تلك واحدة من ثلاث مناطق رئيسية لخفض التصعيد (بينما المنطقتين الأخيرتين هما الغوطة الشرقية وشمال حمص)، والتي خططت روسيا لانسحاب الثوار منهما وحمايتهم، وقد كان الجنوب السوري أيضًا ساحة للمنافسة الخطرة بين إسرائيل وإيران خلال العام الماضي، والتي شملت عشرات الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل ، ردًا على تزايد انتشار القوات الإيرانية والعتاد في المنطقة الحدودية بينهما.
وطالما هللت روسيا لكونها تلعب دور الوساطة، ووعدت بإنهاء وجود القوات الموالية لإيران، للحد من خطر قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة النطاق. وكي تبرهن على التزامها بتأمين تلك المنطقة؛ قامت موسكو بإرسال كتيبة واحدة من الشرطة العسكرية على الأقل لمنطقة خط الاتصال التابعة للأمم المتحدة، وهي المنطقة التي تقع على الحدود السورية الإسرائيلية، وسرعان ما انخرطت تلك القوة في حماية قوافل الأمم المتحدة، والقيام بدوريات مشتركة مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ويبدو الموقف الإسرائيلي هادئًا في الوقت الراهن، لكنه لن يظل كذلك إذا ما ظهرت تهديدات أخرى.
وفي إطار تلك الأحداث، كانت التقارير عن هوية المسئول عن تفجير القافلة الروسية أكثر إثارة للاهتمام، وقد ادّعت مصادر عديدة أن مسلحين موالين لإيران هم من قاموا بالهجوم، وهي الادعاءات التي لم تتأكّد حتى الآن رغم ما تحمله من أهمية نظرًا للاتجاهات السائدة مؤخرًا. فقد تصاعدت الخلافات بين روسيا وإيران خلال عام 2019، وتباينت أهدافهما أكثر من ذي قبل، مما جعل الخلافات حول مسالك التهريب، وأنشطة الدعوة الإيرانية للتأثير على الأفراد في محافظة دير الزور شرقي سوريا، تتحول إلى مواجهات مفتوحة بين الطرفين من حين إلى آخر، وفي ذات الوقت؛ فقد استُبعدت إيران من الهجوم المشترك الذي قامت به روسيا ونظام الأسد على شمال حماة وشمال شرق اللاذقية. وفي يناير؛ أكدت مصادر موثوقة (بما فيها وسائل الإعلام الروسية مثل صحيفة نوفيا جازيتا) على اندلاع معارك ضارية بين القوات الموالية لإيران وتلك الموالية لروسيا في منطقة حماة، وأشارت التقديرات إلى أن حصيلة تلك المواجهات بلغت أكثر من 200 شخص بين قتيل وجريح.
وفي ذات الوقت؛ تزايدت احتمالات وجود قوات الشرطة العسكرية الروسية في مرمى نيران كل من الميليشيات الموالية لإيران وتلك التابعة للثوار، مما يضفي على الوضع الإيراني المزيد من القوة على أرض الواقع في سوريا، ومع وجود قيادة فعالة لعشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لإيران؛ فإن محاولات إعادة هيكلة القوات السورية بقيادة روسيا لن تفلح في تغيير ميزان القوة بشكل كبير، ويجعل من الصعب أيضًا معرفة كيفية تخفيف حدة الوضع في درعا.
ومع تصاعد الغضب الشعبي تجاه النظام السوري يومًا بعد يوم، وزيادة نشاط المتمردين، تمامًا كما حدث في عامي 2011 و2012، وانتشار وحدات الشرطة العسكرية الروسية من قبل في بعض أجزاء سوريا؛ حققت موسكو بعض النجاح فيما يخُص وقف الانتهاكات التي يقوم بها النظام السوري، لكن حتى الآن لا توجد علامات على جهود محتملة لتكرار تلك العملية في دمشق جنوبي البلاد، وبالنسبة لكل من بوتين والأسد؛ يعد الجنوب السوري مصدرًا لمزيد من المتاعب.
نيل هاور هو محلل أمني يقيم في تبليسي؛ جورجيا، ويقوم خلال عمله بالتركيز على الصراع في سوريا، خاصة الدور الروسي، والسياسات والأقليات في جنوب القوقاز، والعنف والسياسات في شمال القوقاز، خاصة في الشيشان وأنجوشيا.