عندما اقترحت تركيا لأول مرة صيغة “ثلاثة + ثلاثة” لدول جنوب القوقاز الثلاث ‘وهي أرمينيا وجورجيا وأذربيجان بالإضافة إلى روسيا وتركيا وإيران، في شهر ديسمبر الماضي، لم يُثر ذلك المقترح أي نقاش يذكر، فمنذ الانهيار السوفياتي قبل 30 عامًا، كانت المنطقة إلى حد كبير تحت الوصاية للروسية، مع فرص قليلة للجهات الفاعلة الأخرى للعب دور مؤثر.

لكن دبت الحياة فجأة في المقترح الجديدة في الشهرين الماضيين، وبدأت كل من روسيا وإيران في دعمه بشكل علني، مع رؤية ايران على وجه الخصوص لنفس ما تراه تركيا، وهي أنه عصى تحكم للتأثير الرسمي على المنطقة لأول مرة في التاريخ الحديث. ولكن، بالنسبة لروسيا وتركيا، يأمل البلدان الآن في تمديد علاقتهما الخارجية الدموية (والتعاونية) من الشرق الأوسط إلى القوقاز، وهو تطور من المحتمل أن يكون له عواقب وخيمة على المنطقة برمتها.

كانت نقطة البداية الأكثر وضوحًا للتأثير الخارجي الجاد على جنوب القوقاز هو في الدعم العسكري التركي لأذربيجان في حرب كاراباخ التي استمرت على مدى 44 يومًا والتي وقعت أحداثها في العام الماضي، ولعبت طائرات بيرقدار التركية التي تُدار من دون طيار (والتي قادها على الأرجح جنود أتراك) فضلاً عن الدعم التخطيط التشغيلي دورًا حاسمًا في أحراز نصر ساحق لحليف تركيا المقرب، أذربيجان. وبعد انتهاء الحرب، تم استبعاد أنقرة إلى حد كبير من أي دور مستقبلي واضح، وتولت قوات حفظ السلام الروسية السيطرة على ما تبقى من كاراباخ (مرتفعات قره باغ) التي يسيطر عليها الأرمن على الأرض، ورفضت موسكو بنجاح المحاولات التركية للانخراط في المفاوضات وعملية التسوية لقضية كاراباخ، مما أدى إلى إنشاء مركز رسمي مشترك لمراقبة وقف إطلاق النار روسي تركي بعيدًا عن الخطوط الأمامية الجديدة التي تسيطر عليها روسيا.

وقد يبدو من المفاجئ إذن أن الكرملين قد وافق على رغبة أنقرة بتقديمه الدعم لإطار عمل جديد من شأنه أن يمنح تركيا مقعدًا على الطاولة، ولكن، بالنظر في البدائل، تصبح دوافع موسكو أكثر وضوحًا، حيث يظل الشكل التفاوضي الرئيسي لتسوية قضية كاراباخ هو مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تأسست في أوائل التسعينيات وتتألف من الولايات المتحدة وفرنسا جنبًا إلى جنب مع موسكو كرؤساء مشاركين، ويمكن القول إن واشنطن وباريس هما الخصمان الأساسيان لروسيا على الساحة الدولية، خاصة بالنظر إلى المنافسة الأمنية المتزايدة بشدة بين روسيا وفرنسا في إفريقيا في السنوات الأخيرة. وفي أثناء ذلك، تبقى تركيا شريكًا يمكن للكرملين العمل معه و”عدو” أبدي تندلع معه اشتباكات سياسية وحتى عسكرية متكررة، ولكن يمكن من خلال التفاهمات مراعاة مصالح الطرفين. ويشهد على هذا النوع من العلاقة النفعية نصف العقد الماضي في سوريا وليبيا، حيث دعمت تركيا وروسيا طرفين متعارضين (وتواصلان التحريض ضد بعضهما البعض) ولكنهما تمكنا رغم ذلك من الوصول بانتظام إلى حلول وسطية مقبولة.

وعلى هذا الأساس ستكون تركيا الرابح الأخير، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الخاسران الدوليان الرئيسيان لأي اعتماد أو قبول لتنسيق 3 + 3، ومن شأن إطار العمل الجديد هذا قطع الطريق على القوى الغربية بالكامل، وهو سبب رفض جورجيا له بشدة حتى الآن، بسبب صلاتها الغربية الوثيقة. ويكافح كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالفعل لاستعادة نفوذهما على أرمينيا وأذربيجان بعد حرب العام الماضي، وسيجدان نفسيهما إلى حد كبير في الهامش ينظران إلى واقع الأحداث حيث تتراجع مجموعة مينسك والآليات ذات الصلة إلى الواقع الجديد. فلا عجب إذن أن تعارض كل من واشنطن وبروكسل الشكل الجديد بشدة، بينما رفضته أرمينيا أيضًا، التي تكره التخلي عن مجموعة مينسك وإعطاء تركيا ثقلًا إضافيًا.

ومع ذلك، من المرجح استمرار تهميش العنصر الثالث في الصيغة المقترحة، وهي إيران. ففي حين أن طهران هي الفاعل الأكثر نفوذاً من بين الدول الثلاث في الشرق الأوسط، حيث تلعب دورًا كبيرًا في العراق واليمن وسوريا ولبنان، فإن الطرق التي تمارس بها هذا التأثير لا تنطبق ببساطة على جنوب القوقاز، حيث يزدهر الدور الإيراني بالعمل في بيئة تكون فيها الدولة إما ضعيفة أو شبه معدومة، مما يسمح للميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإسلامي بالسيطرة على الأرض. وتعد منطقة جنوب القوقاز ساحة مختلفة تمامًا، حيث توجد حكومات تعمل بكامل وظائفها في جميع البلدان الثلاثة ولا توجد قدرة واضحة للجهات الفاعلة غير الحكومية من النوع الذي تفضله طهران لتحقيق أي مكاسب، وقد تم تجاهل إيران إلى حد كبير من قبل دول المنطقة، وهو أمر تشهد به المناورات الحربية الضخمة الأخيرة على حدود أذربيجان فقط لجذب انتباه باكو، وستمنح صيغة 3 + 3 طهران بعض النفوذ القانوني، لكنها بالتأكيد ستكون البلد الثلث بعد روسيا وتركيا.

وبالطبع الخاسرون الأساسيون هم دول جنوب القوقاز نفسها، من خلال تحويلهم إلى ساحة لألعاب القوة الروسية التركية التي رسمت ملامح الشرق الأوسط، حيث ستصبح أرمينيا وأذربيجان وجورجيا الحلقة الأخيرة في سلسلة لساحات القتال بالوكالة بين موسكو وأنقرة. ويحتاج المرء فقط إلى النظر في كيفية حدوث هذه الديناميكية في سوريا وليبيا ليرى مدى تأثيرها التدميري، حيث تمارس روسيا وتركيا نفوذهما على البيئة المحلية من خلال الحملات العسكرية المدمرة التي تنطوي على غارات جوية عشوائية، وتمكين التوابع المحليين العنيفين، فضلاً عن إحداث دوامة من المنافسة من خلال التدمير العنيف. وإذا أضيفت إيران إلى المشهد، بسياساتها المتمثلة في دعم الميليشيات الوحشية لفرض إرادتها بشكل دموي في الدول المدمرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن الصورة ستصبح أكثر كارثية على شعب القوقاز.

لقد مرت منطقة القوقاز بحروب عدة على مدى تاريخها، وتحويل المنطقة إلى ساحة حرب أخرى بالوكالة لروسية ولتركية سيعني المزيد والمزيد من الحروب.

 

نيل هاور محلل أمني مقيم في تبليسي – جورجيا، ويركز عمله، من بين أمور أخرى، على السياسة والأقليات والعنف في القوقاز.

 

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: