يبدو أن عصر المقاتلين الشيشان وغيرهم من الجهاديين من شمال القوقاز في سوريا يقترب من نهايته، وهو العصر الذي استمر ما يُناهز عقد من الزمان. وهذا ما يمكن استنتاجه من المطاردة المستمرة من قبل جماعة هيئة تحرير الشام الجهادية المتشددة لآخر قائد شيشاني مستقل في محافظة إدلب السورية التي يسيطر عليها المتمردون، وهذا القائد هو مراد إيراكليفيتش مارغوشفيلي، المعروف أكثر باسمه الحركي، مسلم الشيشاني.

ففي الثاني من تموز/ يوليو، أعلن مسلم الشيشاني أنه عقد مؤخرًا اجتماعاً مع مسؤولي هيئة تحرير الشام. والذي طالبت فيه الهيئة بحل جماعة جنود الشام، والخروج فوراً من إدلب. وقال الشيشاني في بيانه إنه “لا يستطيع فهم” سبب استهداف جماعته بهذه الطريقة، خاصة أنهم لم يشاركوا قط في أي قتال بين المتمردين، وقاتلوا إلى جانب العديد من الجماعات المتمردة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد. ومع ذلك، أصرت هيئة تحرير الشام على موقفها وأعطوه إنذارًا أخيراً، وعندما تجاهل مسلم الشيشاني ذلك الإنذار، بدأت عملية مطاردة نشطة له ولجماعته. ولايزال الوضع في غاية التوتر حتى وقت كتابة هذا التقرير، حيث إن مسلم الشيشاني ورجاله مختبئون في مكان ما في إدلب بينما هيئة تحرير الشام تبحث عنه وعن اتباعه وتحاول طردهم.

وتوشك هذه الملحمة على الانتهاء، حيث إن موارد وامكانيات هيئة تحرير الشام تفوق بل وتتجاوز امكانيات الشيشاني، كما صرح الأخير بأنه لن يوجه أسلحته إلى صدور زملائه المتمردين مهما كانت الظروف. ولكن حل جماعة جنود الشام ليس بالحدث الكبير، إذ لا يتعدى عدد المجموعة بضع مئات من المقاتلين، وكانت خاملة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة مثلها مثل العديد من الجماعات المتمردة الاخرى. ولكنها إشارة رمزية لما تمثله تلك الخطوة: حيث تمثل نهاية الجماعات الإسلامية الشيشانية المستقلة التي قدمت من شمال القوقاز إلى سوريا.

فمنذ بداية تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا للانضمام إلى التمرد ضد الأسد، الذي اندلع في عام 2011، احتل المقاتلون الشيشان مكانة شبه أسطورية بين صفوف المتمردين. فقد اشتهروا بنضالهم الطويل من أجل الاستقلال ضد روسيا، وقد شهدت إحدى مراحل ذلك الاستقلال انتصارًا مذهلاً للمتمردين الشيشان ضد الجيش الروسي الذي يفوقهم عدة وعتاد، وعليه صنعوا لهم سمعه عالمية. إن صورتهم كقوات متمرسة شديدة المراس في المعارك والحروب مع تفاني وشجاعة لا نظير لها، وقدرتهم على هزيمة جيوش أكبر منهم حجماً عدة مرات من خلال المثابرة والمهارة، جعلتهم سلعة مطلوبة للجماعات المتمردة في سوريا، وقد وصلوا إلى سوريا من بلدهم الذي كان لايزال يشهد حروب مستعرة ً.

وقد تأسست المجموعة الشيشانية الأولى في سوريا في صيف عام 2012 والتي اطلقت على نفسها كتيبة المهاجرين، من قبل أشهر القادة الشيشان في سوريا، وهوعمر الشيشاني، الذي أصبح فيما بعد “وزير الحرب” في داعش، والقائد الثالث في العام التالي. وأصبح عمر الشيشاني شخصية مُلهمة للمقاتلين الشيشان وغيرهم من المقاتلين القادمين من شمال القوقاز إلى سوريا، حيث حشد العديد منهم معه أثناء قيادته لهجوم داعش على مدينة كوباني الكردية في أواخر عام 2014 كما خاض العديد من المعارك الأخرى. وقد انضم العديد من المقاتلين الشيشان الآخرين إلى جبهة النصرة، وهي التي قامت على أساسها هيئة تحرير الشام التي أصبحت أحد الأعداء الرئيسيين لداعش. وقد وصل عدد المقاتلين القادمين من الشيشان وشمال القواز للقتال في سوريا أربعة الاف مقاتل.

لكن المقاتلين الشيشان شكلوا أيضًا مجموعاتهم الخاصة، مع تمتعهم بميزة رئيسية ميزتهم عن باقي الفصائل المتمردة، وهي رفضهم الانحياز إلى أي جانب في القتال بين المتمردين وداعش وظلوا بدلاً من ذلك يركزون على محاربة نظام الأسد. وهذه الجماعات الجهادية التي شكلت “الطريق الثالث” كانت بقيادة مسلم الشيشاني مثل جماعة “جنود الشام” و”أجناد القوقاز”، وبدورها فصيل كبير تحت قيادة عبد الحكيم الشيشاني. وقد أثبتت هاتان المجموعتان فعاليتهما وقدرتهما على التدمير في ساحة المعركة، حيث قادت حملة إدلب عام 2015 والتي شهدت الاستيلاء على عاصمة المحافظة قبل طرد جنود النظام بشكل مُطرد في اتجاه الساحل السوري، وهو الحدث الذي دفع بشكل مباشر إلى التدخل العسكري الروسي في سبتمبر من ذلك العام.

وفي السنوات التي تلت، وجدت هذه الجماعات نفسها فاترة وخاملة مع تحول المد العسكري ضدها، كما كان الحال مع معظم الفصائل المتمردة الأخرى. وشارك كل من جنود الشام وأجناد القوقاز بقوة في معركة حلب، التي خسروها عام 2016، والتي قلبت موازين الحرب بشكل حاسم ضد المتمردين. كما شاركتا في المناوشات والمعارك الجانبية، لكن لم يكن هناك شيء آخر يستحق الذكر. وأعلنت أجناد القوقاز في أواخر عام 2017 تعليق أنشطتها العسكرية، ولم يُسمع عنها الكثير منذ ذلك الحين. وبقيت جماعة مسلم الشيشاني نشطة، لكنها ظلت متوقفة إلى حد كبير في إدلب على مدى السنوات الأربع الماضية.

ولقد كان ميل تلك الجماعات نحو الاستقلالية هو ما جعلهم هدفًا لازماً لهيئة تحرير الشام. وتحت ضغط من تركيا (التي تواجه بدورها ضغوطً روسية) تبنت هيئة تحرير الشام قرارًا بحل جميع الجماعات غير السورية المتبقية في إدلب عن طريق استخدام القوة. وبينما تسعى أنقرة إلى أن تثبت لموسكو أنها تستطيع بالفعل السيطرة على الوضع في منطقة المتمردين، كون تلك الجماعات الشيشانية القليلة المتبقية اصبحت هدفاً واضحاً، وهي تشكل دائمًا مصدر قلق للكرملين، حيث قضت الحكومة الروسية ما يقرب من عقدين من الزمن في محاربة ومحاولة سحق تلك الجماعات في شمال القوقاز.

وبالنسبة لمسلم الشيشاني، فمن الراجح أن يكون مصيره مصير من سبقه من القادة الشيشان، فإما الموت في ساحة المعركة، أو النفي إلى مكان ما في تركيا، وربما تحديداً، النفي إلى احدى ضواحي إسطنبول النائية والمأهولة بالقادمين من شمال القوقاز. وفي كلتا الحالتين، سيُمثل ذلك نهاية حقبة ومرحلة زمنية. نهاية الكوادر الشيشانية في سوريا، والتي كانت ذات يوم قوة لا يُستهان بها، وسيُسدل الستار عنها قريبًا.

نيل هاور محلل أمني مقيم في تبليسي ، جورجيا. ويركز عمله، على السياسة والأقليات والعنف في القوقاز فضلاً عن تناوله لقضايا اخرى.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: