علي الرغم من أن المشاكل بين تركيا والولايات المتحدة معروفة للكافة. إلا انه في الآونة الأخيرة، ازدادت حدة التوتر الحقيقي داخل أنقرة بشأن الجبهة التركية الروسية. نجد أن سوريا تسعي بكل جد في إبرام زواج المصلحة بين تركيا وروسيا، ولاسيما قضية إدلب الشائكة، بوصفها آخر معقل للمتمردين السوريين.

ومع ذلك، فإدلب ليست سوى الجزء الأصغر من المشكلة. وخلف واجهة الصداقة الأخوية بين “رجب طيب أردوغان” و”فلاديمير بوتين” – “السلطان” و “القيصر” – هناك مشاكل جمة. وفي الواقع، هناك خلاف بين الزعيمين حول جميع القضايا ذات الأهمية الإستراتيجية تقريبًا، ألا وهي: قضية أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، والحرب الأهلية في ليبيا، والصراع الأرمني الأذربيجاني المتجمد، ومنطقة البلقان، وقبرص، والتنقيب عن غاز شرق البحر المتوسط، وإسرائيل، ومصر، والإخوان المسلمين، و قضايا لا يمكن حصرها. وفي الواقع، كلما طلب أحدهم أن أكتب عن العلاقات التركية الروسية، فكثيرًا ما أعلق ساخرًا على هذا الطلب بأن فنزويلا هي الموضوع الوحيد الذي يتفق عليه “بوتين” و”أردوغان”.

ومما لا شك فيه أن شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي يمثل نقطة انطلاق مهمة في العلاقة بين البلدين. ولكن ليس بالطريقة التي يعتقدها الكثيرون. فبالنسبة لأنقرة، لم يكن القصد من هذه الصفقة أن تكون بداية شراكة إستراتيجية جديدة؛ بل كان الثمن هو الدخول إلى شمال سوريا. وكانت تركيا بحاجة إلى وقف ظهور دولة كردستان – والتي تُسمى بـ”كردستان الصغرى” – من داخل المناطق الكردية في شمال شرق سوريا، حيث الهيمنة العسكرية الروسية. ولكن بعد أن أسقطت تركيا طائرة نفاثة روسية في عام 2015، لم يتقبل “بوتين” مجرد الاعتذار المقدم من أردوغان. وأبرمت الدولتان صفقة نظام الدفاع الصاروخي الروسي “S-400s”، وهو ما مكن تركيا من الدخول إلى المناطق الكردية السورية مثل مدينتي عفرين والباب في عامي 2016 و2017.

ومن ناحية أخرى، أثبتت “إدلب” أثبت أنها مشروعًا صعب المنال على الأتراك. وعندما استولى نظام الأسد على مدينة “حلب”، لجأت معظم القوات الإسلامية هناك إلى “إدلب”، تلك المحافظة الصغيرة على الحدود التركية، والتي اتفق الأتراك والروس على إنشاء منطقة منزوعة السلاح فيها في عام 2018. واليوم، يبلغ عدد سكان إدلب حوالى ثلاثة ملايين نسمة. تستضيف تركيا بالفعل ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري، وهناك إصرار من جانب أردوغان لمنع قدوم فوج أخر من السوريين إلى البلاد. ولذلك تعهدت أنقرة بضمان انسحاب المتمردين المتطرفين من المنطقة، ووافقت موسكو على وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، لم يفي أيًا من الجانبين بما التزم به، حيث تنتهك روسيا باستمرار وقف إطلاق النار، وشرعت مؤخرًا في حملة جوية شاملة، مما مهد الطريق للنظام السوري لاستعادة السيطرة على محافظة إدلب متذرعة بمكافحة الإرهاب لتبرير أعمالها. تحتج موسكو بأن قبضة المتطرفين على إدلب باتت أقوى من ذي قبل لأن تركيا فشلت في تجريد المنطقة من السلاح.
وفي الأسبوعين الأخيرين، أخذ التوتر حول إدلب منحنًا تصاعديًا مفاجئًا. وأدت المواجهة العسكرية المباشرة النادرة بين قوات النظام التركية والسورية إلى مقتل 14 جنديًا تركيًا وأكثر من 100 من قوات النظام السوري.

وألقى “أردوغان” اللوم على روسيا في هذا التصعيد، لكنه يرفض الدخول في مواجهة مباشرة مع “بوتين”. وبدلاً من ذلك، أرسل أردوغان “5000” جندي إضافي إلى إدلب، وصب غضبه على النظام السوري. وقال “أردوغان” الأسبوع الماضي: “إذا تعرضت قواتنا لأي ضرر، فسنضرب قوات النظام السوري في أي مكان ولن نتقيد بإدلب. وحذر أردوغان أيضًا من أنه ما لم تنسحب قوات النظام السوري بحلول الأول من مارس، فإن القوات التركية ستفعل “كل ما هو ضروري”.
وحيث أن ثمة اعتقاد بأن دمشق خاضعة لموسكو في الوقت الراهن، فمن المقبول على الأرجح افتراض أن رسالة أردوغان كانت موجهة إلى “بوتين” إلى حدٍ كبير.

كما أن امتثال موسكو لأردوغان هو أمرٌ غير واقعي. ويعلم أردوغان أن روسيا تسيطر على السماء. وتعني الضربات الجوية التركية ضد النظام السوري الدخول في مواجهة مباشرة مع موسكو. وربما لهذا السبب، بينما كان أردوغان يهدد دمشق، كان وزير دفاعه، خلوصي آكار، عمليًا بدرجة كبيرة، موضحًا أن السبب الحقيقي الذي جعل تركيا ترسل مزيدًا من القوات إلى “إدلب” هو ضمان “وقف دائم لإطلاق النار”.

وأضاف “خلوصي”، أن من لا يلتزم بوقف إطلاق النار – “بما في ذلك المتطرفون” – سيتم “التعامل معهم بالقوة”. والمقصود بالمتطرفين هم “هيئة تحرير الشام”، تلك المجموعة الجهادية التي تحاول القوات السورية طردها من “إدلب” بمساعدة القوات الجوية الروسية.

وكل هذا يوضح أن أردوغان غير مستعد لحرق جسوره مع بوتين. وبعد كل شيء، تبقى خيوط اللعبة جميعها في يد روسيا. وقد تسمح موسكو لدمشق بالاستيلاء على “إدلب”، وبالتالي إغراق تركيا بمزيد من اللاجئين. أو يمكن لروسيا أن تضغط على الأتراك لمغادرة شمال سوريا من خلال التهديد بعقد صفقة مع القوات الكردية السورية.

وأخيرًا، دعونا لا ننسى أيضًا أن أردوغان مدين لبوتين لاحتياجات تركيا من الطاقة. وتشتري تركيا معظم الغاز الطبيعي من روسيا حيث وقعت على اتفاقيات لإنشاء خط أنابيب، واتفاقيات للطاقة النووية المستقبلية مع موسكو.
وقد يبدو التوتر الحالي بين أنقرة وموسكو فرصة للولايات المتحدة الأمريكية للتدخل. ولأن بوتين له اليد العليا في العلاقات الروسية التركية، فليس أمام واشنطن إلا القليل لتساعد به تركيا.

 

عمر تاسبينار، زميل بارز لدى معهد بروكينغز، وأستاذ إستراتيجية الأمن القومي في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن.

SUBSCRIBE TO OUR NEWSLETTER

Get our newest articles instantly!

Thank you! Your coupon code will be sent to your email once your details are verified.

Unlock Your 50% Discount!

Choose your status: